علي حسين
وأخيرًا استطاع سياسيونا الأشاوس أن يحفظوا للعراق مركزه الأول في قائمة البلدان الأسوأ، وهذه المرة تغلبنا على جمهورية أفريقيا الوسطى وعلى عاصمة أفغانستان، التقرير الذي أصدرته هيئة الاستغاثة الدولية، حول أخطر المناطق على وجه الكرة الأرضية ، حصل العراق على المراكز المتقدمة ، فيما حصدت الدنمارك المرتبة الأولى كأفضل بلد.
لا أريد أن أخبركم أن الدنمارك ماتزال على قائمة الدول الأكثر سعادة، كما أنها تُعدّ أقلّ الدول فسادًا. نحن خارج هذه الحسابات، فقد حصدنا المراكز الأولى في الفساد والبؤس ودرجات متأخرة في الفرح والسعادة. لا يهم، فمثل هذه التقارير تضعها منظمات تتآمر على تجربتنا الديمقراطية، لا نقرأ في الأخبار عن خطب المسؤولين في الدنمارك، رئيسة وزراء الدنمارك، وهي أصغر رئيسة وزراء في تاريخ البلاد، تؤمن بأنّ الليبرالية ليست شعارات ترفع يتغنى بها في الفضائيات، ثم يذهب أصحابها مساء كل يوم إلى عشيرتهم، وليست آيديولوجيا تُقرأ في الكتب، ولا حربًا باردة بين العشائر، إنها عدالة اجتماعية ورقيّ إنساني ونزاهة وطمأنينة.
ولعل ما أثارني في التقرير هو أنه صدر من سنغافورة هذه المدينة التي كانت على هامش التاريخ قبل عقود قصيرة من الزمن وأصبحت اليوم المدينة الأفضل في آسيا متغلبة على طوكيو ودبي.. سنغافورة الجزيرة الصغيرة التي تفتقر إلى الثروات الطبيعية، استطاع سياسيوها أن يجعلوا منها واحدة من أكبر مراكز المال في الكرة الأرضية . ولهذا دائمًا ما أجد نفسي أعود لأذكر الأصدقاء بأن يقرأوا كتاب "قصة سنغافورة" الذي يروي فيه رئيس وزرائها السابق "لي كوان يو" كيف حلم في مقتبل حياته السياسية ببناء وطن للناس وليس لأهله وعشيرته ، ولا لمقربيه وأحبابه ، ونقرأ كيف طلب هذا السياسي من مواطنيه أن يعملوا بدلًا من الهتاف له، وكيف كان يذهب بنفسه للمصانع والمزارع ليشجع الناس على العمل، وكيف قرر أن يفتح المدارس والجامعات بدلًا من المولات ، ويطبق حكم القانون لا حكم القبيلة والحزب والطائفة، في واحدة من عباراته الجميلة يكتب لي كوان: " طوال عمري كنت أحلم بمجتمع تسود فيه المعرفة ويصبح العلم منطلقًا للبناء والتنمية " .
ما الذي سيقوله برلماننا المشغول بقانون حرية التعبير، والذي يصفق ويهلل لقوانين تراقب حركة الناس عن هذا التقرير؟، بالتأكيد سنفتقد ابتسامة وطلة محمود الحسن، الذي كان حريصا على أن يذكرنا ان العراق يعيش أزهى عصوره.. والدليل أننا نستعطف تركيا لإقراضنا مبلغًا من المال، ولا يهم أن القوات التركية تقصف قرى عراقية، ولا الدواعش الذين أدخلهم أردوغان إلى العراق، المهم أن تعرف عزيزي القارئ أن القائمين على شؤون مثل هذه التقارير عملاء للإمبريالية وأن الأمر لا يعدو أن يكون حسد عيشة.