TOP

جريدة المدى > تحقيقات > تموت و هي واقفة.. عمتنا النخلة تصارع من أجل البقاء

تموت و هي واقفة.. عمتنا النخلة تصارع من أجل البقاء

نشر في: 5 ديسمبر, 2020: 08:16 م

في العراق نحو 17 مليون نخلة و650 صنفًا من التمور

إعداد /عديلة شاهين 

عدسة: محمود رؤوف

تعد زراعة النخيل في العراق من أقدم الزراعات منذ آلاف السنين نظرا لقيمتها الغذائية والجمالية.
وبحسب موقع ويكيبيديا العالمي فقد كان أول ظهور موثق لشجرة نخيل التمر في العالم القديم في مدينة إريدو التاريخية الواقعة في جنوبي العراق (حوالي 4000 ق.م) والتي كانت منطقة رئيسة لزراعة نخيل التمر.

كما يوجد في المتحف العراقي ختم يحتوي على رجلين بينهما نخلة يعود إلى عصر الاكديين (حوالي 2730 ق.م). وتحتوي مسلة حمورابي (حوالي 1754 ق.م) على سبعة قوانين متعلقة بالنخيل منها قانون يفرض غرامات كبيرة على من يقطع نخلة، وقوانين اخرى تتعلق بتلقيح الاشجار وبالعلاقة بين الفلاح ومالك الارض وعقوبات على الإهمال وعدم العناية حيث تَفرض على الفلاح ان يدفع ايجار البستان كاملا إلى المالك إذا تسبب اهماله أو عدم عنايته بالأشجار إلى قلة إنتاج التمر.

كان الآشوريون يقدسون اربعة اشياء هي نخلة التمر والمحراث والثور المجنح والشجرة المقدسة.

ويوجد في العراق 627 صنفًا زراعيًا من التمور منها حوالي 50 صنفًا تجاريًا. 

و يتميز إنتاج التمور واعداد النخيل بالعراق بالتذبذب من فترة إلى اخرى فبعد ان بلغ عدد اشجار النخيل في العراق حوالي 32.36 مليون نخلة في عام 1952 انخفض هذا العدد إلى 16.25 مليون نخلة في عام 1994، ثم إلى 15 مليون نخلة في عام 2012، كما كانت البصرة يوما موطنا لـ13 مليون نخلة، انخفض هذا العدد حسب احصاءات عام 2017 إلى 1.2 مليون نخلة فقط، و هذا ما يؤكد لنا تراجع اعداد النخيل في العراق وان النخلة العراقية تموت واقفة وبساتين النخيل آخذة بالانقراض والتمر شحيح في (أرض السواد)!

وقامت (المدى) بجولة ميدانية لرصد أسباب تراجع انتاج التمور وتناقص اعداد اشجار النخيل في العراق وعادت بهذا التحقيق الصحفي.

بتحسين الإنتاجية 

من أسباب تراجع اعداد النخيل في السابق الحروب و عدم الاهتمام بالتمور، هكذا اجاب المستشار السابق للجنة الزراعة النيابية عادل المختار ردا على اسئلة (المدى)، ويتابع قائلًا: امتلك العراق في السابق ٣٠ مليون نخلة وانخفض العدد الى ١٤ مليون نخلة، أما في الفترة الأخيرة فقد عاد الاهتمام بزراعة النخيل، فارتفعت الاعداد ووصلت تقريبا الى ٢٠ مليون نخلة. 

وأضاف: يجب ان نفرق بين انتاج التمور وزراعة النخيل، فالدولة تهتم اليوم بأعداد النخيل وهذا غير صحيح، ومن المفترض ان تهتم بتحسين إنتاجية النخلة، فاليوم تنتج النخلة ٥٠ كيلو غراما من التمور اي ان انتاجيتنا الاجمالية من التمور هي ٧٠٠ ألف طن، في حين لو زادت انتاجية النخلة الى ٢٠٠ كيلو غرام سيصل إجمالي الانتاجية الى مليونين وثمانمائة الف طن من التمور. 

مؤكدا ان التمور الموجودة في الاسواق مهربة وليست مستوردة، لان الدولة اغلقت استيراد التمور منذ سنوات ومن الممكن ان يعود العراق مصدرا للتمور كالسابق إذا تم التركيز على الاهتمام بنوعية التمور مما يؤدي الى زيادة انتاجية النخيل وبالتالي ستفتح الاسواق المحلية ابوابها للتمور العراقية. 

و لفت المختار الى ان: التمور العراقية مصابة بحشرة و الكثير من الدول تتحفظ على شراء التمور من العراق، في المقابل ترغب بعض الدول باستيراد التمور من العراق، على سبيل المثال طلبت الهند استيراد 100 الف طن من التمور العراقية، و لكن لا توجد جهة معينة تجمع التمور وتصدرها او تقايضها مع الآلات الزراعية او البذور او الاسمدة!

تأهيل البساتين من جديد 

و تحدث لـ(المدى) الناطق الاعلامي باسم وزارة الزراعة السيد حميد النايف موضحا: منذ مهد حضارة وادي الرافدين، كان العراق يمتلك ٣٠ مليون نخلة و حوالي ٦٥٠ صنفا و الأبرز منها الزهدي و الحلاوي و الخستاوي و البربن و البرحي و غيرها من الأصناف، و الكثير من الأصناف شائعة اليوم و منها قد تكون زراعتها محدودة.

و أكد النايف تأثر قطاع النخيل في العراق و تراجع الانتاج لأسباب عدة منها تجريف البساتين نتيجة الحروب المتعاقبة التي مر بها العراق و ادت الى التأثير سلبا وبشكل كامل على قطاع النخيل وتناقصت اعداد النخيل ووصلت الى ما يقارب ١٢ مليون نخلة بعد الحرب العراقية _الإيرانية وكذلك حرب الخليج، و بعد عام ٢٠٠٣ استعدت وزارة الزراعة لاعداد برنامج كامل من أجل تأهيل هذه البساتين خاصة بعد ان اهملها اصحابها نتيجة قلة الإيرادات و منها ما تم تجريفه و منها ما لم تصله المياه، لذا قامت وزارة الزراعة ومن خلال دائرة وقاية المزروعات، بالحد من آفة الدوباس والحشرة التي تفتك بالنخيل وتؤثر على انتاجيته وتم القضاء على هذه الآفة بنسبة ٨٥٪، ايضا كافحنا الحميرة وحفار ساق النخيل وسوسة النخيل الحمراء عند الحدود العراقية، وبالتالي ازدادت المساحات المزروعة وتأهل قطاع النخيل مجددا ووصل الى ١٧ مليون نخلة وهي حاليا في طور النمو وكذلك الإنتاج، أضف الى ذلك لدينا العديد من المشاريع لتأهيل البساتين التي تعتمد على الفسائل النسيجية والري بالتنقيط وفق النظم الحديثة، ايضا وجهنا اصحاب النخيل للعناية بنخيلهم وتمورها وزيادة تشغيل الأيادي العاملة في هذا المجال. 

و أشار النايف الى تشجيع وزارة الزراعة على الاستثمار في قطاع النخيل وزيادة الإنتاج، وفي العامين القادمين سيكون لدينا رافد جديد لزيادة المسافات المزروعة من خلال تأهيل هذه البساتين التي وصلت الآن الى مستويات جيدة من النمو وبالتالي زادت الإنتاجية في العام الماضي وهذا العام بعد ان تم فتح التصدير الى الخارج، و أتت هذه العملية بمردودات جيدة للبلد. 

وفيما يخص تجريف البساتين تحدث قائلا: لدينا قانون للحد من تجريف البساتين وهذا ما تتحمله مديريات المحافظات بعد ان تم تحويل الصلاحيات لها وبالتالي فان عملنا فني اما الاداري والمالي فهو على المحافظات، اما بالنسبة لمديريات الزراعة فهي تقوم بإجراءات كبيرة جدا من خلال الدعوة الى الحد من تجريف البساتين.

النخيل والاقتصاد العراقي 

وبينما يواجه العراق أزمة اقتصادية مُدمرة فاقمها انخفاض أسعار النفط وسط أزمة فايروس كورونا، لا بد من البحث عن بدائل كتصدير التمور للنهوض بالاقتصاد العراقي من جديد، لذا التقت (المدى) بالخبير الاقتصادي د. حيدر عصفور وتحدث قائلا: يعاني العراق من تخبط اقتصادي شامل وخصوصا في الثروة الزراعية والتي كانت قبل ١٩٥٨ رافدا اقتصاديا مهم لتغطية الانتاج المحلي والتصدير، حيث كان العراق يحتل المرتبة الاولى بأعداد النخيل وانواعه. 

لذا تستوجب المرحلة اعادة التخطيط للثروة الزراعية وبالأخص اشجار النخيل لكونها تمتلك خصوصية تلائم العراق وتعود بفوائد اقتصادية عديدة، منها توفير فرص العمل في ظل اقتصاد ريعي فاشل يعتمد على ما يستخرج من باطن الارض. 

و استكمل عصفور حديثه لـ(المدى) قائلا: العديد من الدول تعتمد على الثروة الزراعية او الحيوانية، لذا من المهم دعم الفلاحين اقتصاديا ومعرفه اسباب الخلل من اصحاب الشأن مباشرة، و على سبيل المثال اذا تمت المقارنة بين اعداد النخيل ما قبل 2003 واليوم سنجد مؤشرا خطيرا لتناقصها ومن اسباب ذلك بالدرجة الاولى عدم وجود مردود اقتصادي للفلاحين في ظل سوء التخطيط وعدم توفر الموارد المائية ورفع العوامل الستة المؤثرة بكلف الانتاج بمقارنتها مع المستورد، بالإضافة الى الزحف العمراني والنمو السكاني الهائل وازمة السكن. 

و ذكر عصفور: اذا رغبنا بحماية اشجار النخيل فيفترض بالمختصين منع استيراد التمور ودعم المنتجين بجميع الوسائل المتاحة، لاسيما ان هذه المادة يستخرج منها عسل التمر والاعلاف من بذورها (النوى) وبعض الصناعات من سعف النخيل ووجود هذه الاشجار يحمي اشجار البرتقال من الاحتراق وقت الصيف بالإضافة لفوائدها الصحية الكبيرة، و اننا نطمح الى إعادة النظر في حماية اشجار النخيل لكونها جزءا من الاقتصاد الوطني.

البحث عن الرزق!

و حظيت مهنة تسلق النخيل في السابق بالكثير من الاهتمام لتنامي تصدير التمور الى الخارج، ولا يستطيع اصحاب النخيل التسلق على جذوعها التي تصل الى ٢٠ مترا، لذا تتم الاستعانة بمتسلق النخيل والذي يطلق عليه محليا (صاعود النخيل)، و التقت (المدى) بالصاعود عباس محمد البالغ من العمر (٥٢) عاما الذي اكد تراجع اعداد النخيل في العراق و حدثنا عن الصعوبات التي واجهت هذه المهنة قائلا:

تنحصر هذه المهنة حاليا بين اوساط قليلة ومعظمهم من كبار السن لأنها مهنة تقليدية صرف ولأن الجيل الجديد يفضل العمل في مهن كثيرة الربح وقليلة الجهد. 

واضاف: كنت وما زلت أمارس مهنة تسلق النخيل في حملات جني التمور او لغرض تنظيف ومعالجة النخيل وتقليمه، وهي مهنة محفوفة بالمخاطر لأنها تمارس على حساب حياة المتسلق ومن بدون وسائل حماية لذا يتطلب هذا العمل القدرة على التحمل واللياقة البدنية لحمل ادوات ثقيلة تستخدم في العناية بالنخلة كالحزام الذي يستخدم للتمسك بجذع النخلة والحبل وحزام الأمان. 

مشيرا الى تذبذب انتاج التمور في العراق لأسباب عديدة منها:

• الحروب المتعاقبة على العراق. 

• الزحف العمراني وخير مثال على ذلك ما حدث لبساتين الاعظمية والكاظمية والدورة في بغداد. 

• قلة الايدي العاملة في هذا المجال مما ادى الى موت اشجار النخيل بسبب الآفات وانخفاض انتاجية النخلة لإصابتها بحشرات الدوباس والحميرة والعنكبوت. 

• ارتفاع ملوحة التربة في المناطق الجنوبية الأمر الذي أثر على انتاج انواع التمور الجيدة. 

• التلوث البيئي بالدخان والأتربة فثمار التمر وتنوعها وجودتها تتأثر بشدة تجاه المتغيرات البيئية. 

فهذه العوامل مجتمعة ادت الى تناقص اعداد النخيل وانتاج التمور وبالتالي اصبحت مهنتنا مهددة بالانقراض. 

بينما يرى المزارع حسين سجاد أن انواع كثيرة من التمور غير العراقية قد غمرت الاسواق مما أدى الى احباط المنتجين، وبرزت مؤخرا مشكلة العثور على متسلقي النخيل خاصة في فصل الخريف من كل عام حيث تحتاج عملية جني الثمار الى ايادي عاملة مدربة جيدا اضف الى ذلك ضعف القدرة على التخزين والتغليف بطريقة تحمي المنتوج وتصديره كالسابق وضعف الترويج والتعريف بأنواع التمور كما تفعل دول الجوار. كما دعا المزارع حسين سجاد من خلال (المدى) الى الاهتمام باطلاق مبادرات لتحسين الوسط الزراعي سواء فيما يتعلق بتقنيات غرس أشجار النخيل أو آليات الوقاية ومعالجة الأمراض التي تؤثر سلبا على نوعية منتوج التمر، بالإضافة إلى مكننة مهنة متسلق النخيل لحماية متسلقي النخيل من المخاطر.

منظمة الأغذية والزراعة 

و بحسب احصائية منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة فأن تصدير العراق للتمور قد انخفض خلال الفترة (1990-1999) إلى 58,200 طنا بعد ان كان 264,225 طنا خلال الاعوام (1970-1979) نتيجة للحصار الذي فرضته الامم المتحدة على العراق بسبب حرب الخليج الثانية على الرغم من ان هذا الحصار اعطى نتائج ايجابية على إنتاج التمور، اذ جعل التمور مادة غذائية اساسية زاد الطلب عليها في فترة الحصار مما ادى إلى ارتفاع اسعارها في الاسواق المحلية ولذلك زادت العناية بخدمة النخيل ورفع إنتاجية النخلة من 32 كغم في الفترة 1977-1993 إلى 64.4 كغم في عام 1995 وارتفاع الإنتاج من 446.3 الف طن في الفترة 1977-1993 إلى 881 الف طن عام 1995 .

وساهمت حرب 2003 في القضاء على مساحات اضافية من البساتين، نتيجة لعمليات تجريف البساتين التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في الارياف والمدن وازدياد قطع الاشجار كأجراء امني خشية وجود مسلحين يحتمون في البساتين خلف النخيل والاشجار كما انخفض عدد المصانع من 150 قبل الحرب إلى 6 مصانع في عام 2009، وتعبأ أغلب التمور العراقية الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يعقد جلسته برئاسة المشهداني

الأمم المتحدة: غزة تضم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم

هيئة الإعلام: إجراءاتنا تواجه فساد المتضررين

الهجرة تعلن بدء عودة العوائل اللبنانية وتقديم الدعم الشامل لها

اللجنة القانونية: القوانين الخلافية تعرقل الأداء التشريعي للبرلمان

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram