علي حسين
في ساحة حافظ القاضي بشارع الرشيد ، أقام المصور الأرمني "أرشاك" جمهورية الحلم، يؤمن مؤسسها بوطن معافى يقوى باجتماع المختلفين وببساطة الإيمان بغد أفضل.. جمهورية "أرشاك" عبارة عن محل صغير، جلس في زاوية منه أبرز أعلام العراق من الذين كانوا ينادون بدولة المواطن التي تترفع على كل الطوائف.
الدخول إلى جمهورية "أرشاك" وتقليب دفاتر الذاكرة معه يحتاج إلى مراجعة ذهنية لكل ما مرّ بالعراقيين من أفراح ومآس، فوسط الوجوه التي تحاصر الزبائن نجد صوت الرصافي حادًا وهو يطالب بدولة المواطن لا دولة الطوائف.. تطالعنا الوجوه في كل ركن وكأننا نتصفح ألبومًا لحلم مضى سريعًا. وجوه تقول لنا: ستنتصر الحياة رغم كل الهزائم . ننظر إلى الجواهري يتسلق أكتاف المتظاهرين وهو يصرخ : "أتعـلـم أم أنــت لا تعـلـمُ بـأن جـراح الضحايـا فـمُ"، في زاوية نتطلع إلى مصطفى علي ومحمود أحمد السيد وحسين الرحال يحذروننا من الوقوع في جب الطائفية.. نمعن النظر فيما كتبه الزهاوي والكرملي وحسين جميل ومحمد حديد وصبيحة الشيخ داود، كان حلمهم واضحًا: بلاد تنهل من الاختلاف لتحوله إلى مصدر قوة وتماسك، بلاد متحررة من قيود الأنانيات الطائفية والحزبية، فكان أن دفعوا ثمن الحلم غاليًا، نسيان ونكران وتفضيل عالية نصيف وصالح المطلك وعباس البياتي عليهم. نتطلع في وجوه قادة جمهورية "أرشاك" ونسترجع معها حلم العراقيين جميعًا بجمهورية الفرحوالرفاهية .. فنجد أننا اليوم نعيش في بلاد توشك أن تصبح اسمًا بلا مسمى.. بلاد في حاجة إلى إنقاذ، ولن تنقذها إلا استعادة حلم العراقيين بدولة المواطن، لا دكاكين الطوائف. بعد سبعة عشر عاما على التغيير صار واضحًا أن العراقيين جميعًا لم يخسروا فقط حلم الديمقراطية، لكنهم يضيعون اليوم فرصة النهوض بالبلاد، وباتوا جميعًا مهددين بفقدان الأمل. بعد سبعة عشر عامًا عجاف، مارست فيهااحزاب السلطة كل وسائل الضرب لقواعد الحياة الوطنية، فاقت كثيرًا ما دمرته الحروب. سياسيون يواصلون كل يوم إفراغ البلاد من طاقتها الحياتية.. بعد سبعة عشر عامًا لم يعد يعادل التوق إلى التغيير غير اليأس من إمكان حصوله في ظل طبقة سياسية مملوءة نفوسها بالأنانيات وحب المال والسلطة. بعد سبعة عشر عاما من التدمير ومن بث اليأس في نفوس الناس كي يتخلوا عن دورهم في إدارة شؤون بلادهم.... بعد سبعة عشر عاما بات علينا جميعًا أن نجدد الحلم ببلاد تكون للمواطنين وحدهم، الحلم ببيت عراقي، لا بيوت طائفية. ننظر إلى الصور التي امتلأت بها جدران "أرشاك" ونتذكر أننا جميعًا عشنا حلم التغيير لأيام وشهور بعد سقوط تمثال "القائد الضرورة"، لكن سرعان ما سُرق الحلم من قبل أمراء الطوائف، ليعيدوا من جديد تشغيل ماكنة الدكتاتورية التي توهمنا جميعًا أنها أصيبت بالعطب.