عدوية الهلالي
في عام 2003 ، اعتقدت الإدارة الأميركية أنها تستطيع توفيردولة ومجتمع مدني واقتصاد مزدهر في وقت قصير لسكان خبرتهم في الديمقراطية محدودة ..وفوق كل ذلك ، كان الشعب يعاني من ندوب عقود من الديكتاتورية والحروب المتكررة والعقوبات الدولية القاسية ،
لذا كان الانتقال السياسي الى وضع جديد لابد وأن يكون مصحوباً بالعنف الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالاحتلال وماظهر من وحشيته وما نشأ عن ذلك من خسائر بشرية فادحة، فقد ظهرت حرب العصابات والهجمات العشوائية كنتيجة طبيعية لهذا الاحتلال الذي حول العراق – بالنسبة الى القومية الاسلامية الراديكالية – الى حقل جديد للمواجهة مع الغرب ، كما أن التفكك المستمر لمؤسسات الدولة الجديد جعل اعادة بناء وتعزيز هياكل الدولة الجديدة، امرا غير مؤكد الى حد كبير ، لأن إصابة العراق ب" لعنة العنف" يجعل أي محاولة لارساء الديمقراطية بلا جدوى ..
ومن بين جميع المجتمعات العربية ، فان العراق يقف في قمة أبطال العنف السياسي والاجتماعي ، بدءاً من ثورة 1958 الدموية والمصير المأساوي لأفراد العائلة المالكة ، ومروراً بالاضطرابات السياسية العنيفة والانقلابات والمحاكمات العسكرية وصولاً الى اضفاء الطابع الشخصي على السلطة الذي حققه صدام حسين منذ عام 1979 وماأعقبه من انتشار الشعور بالخوف في جميع أنحاء المجتمع الذي تم استفزازه والحفاظ عليه من خلال التباهي بالعنف والوحشية ..لقد مزقت المآسي المتكررة العراق وشعر السكان منذ نهاية السبعينيات إنهم بدأوا يفقدون السيطرة على مصيرهم وحريتهم ،وبعد سقوط الديكتاتورية ، ساد الشعور بانعدام الأمن والخوف من انهيار التماسك الاجتماعي وظهور الفوضى و" الهمجية" مع حوادث ( النهب والحواسم) واطلاق العنان للكراهية المكبوتة ..العنف متجذر إذن في المجتمع العراقي عبر عدة مستويات منها تجربة الإرهاب البعثي والانقسام المجتمعي الذي ادخله نظام العقوبات الدولية الذي فرض على السكان في التسعينيات ، ثم العنف الحقيقي الذي اكتسح البلاد ومزق المجتمع العراقي خلال فترة العنف الطائفي ، فقد قتلت الحرب أو شوهت العديد من العراقيين وحولت العديد منهم الى لاجئين أو مهاجرين كما أثرت على حياتهم وعلاقاتهم التي خيم عليها العنف لدرجة أن الرغبة في الفرار والهجرة أصبحت حلم الشباب اليائس بعد أن أصبحت بلادنا مقبرة عملاقة !!
لن نستغرب إذن كل مانسمع عنه أو نراه من جرائم قتل وسرقة واغتصاب لأن المجتمع العراقي عانى ويعاني اليوم من أزمة اخلاقية وقيمية كبيرة خصوصا في أوساط جيل الحرب فهذا الجيل نشأ معظمه على قيم طارئة على المجتمع وغريبة عنه فهناك اليوم شباب وأطفال يحملون السلاح ولم يعد القتل مرفوضاً في اذهانهم لأنهم ببساطة لايجدون في ضمائرهم حائلاً قيمياً يستنكر الفعل ويعتبره جريمة ...إنهم لايعتدون بأية سلطة اجتماعية أو ثقافية أو دينية فهل يمكنهم أن يصبحوا قادة إيجابيين لمجتمع يحلم بالأمان والسلام بينما تلاحقه طوال عقود ..( لعنة العنف )؟...