TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: أمنياتُ روحٍ نبيلة

قناديل: أمنياتُ روحٍ نبيلة

نشر في: 19 ديسمبر, 2020: 06:49 م

 لطفية الدليمي

كثيرةٌ هي كتاباتي عن الفيسبوك والجواهر الضائعة فيه وسط ضجيج الصخب والرثاثة . تقلّبُ صفحات الفيسبوك ، ثم تلتمع أمامك جوهرة تبوح بخواص كاتبها ومواصفاته النفسية والعقلية . هذه هي المكافأة الحقيقية للسياحة الفيسبوكية إضافة إلى المتعة العابرة والإطلالات التي يحتاجها أكثرنا وبخاصة ممن لاتتاحُ لهم فرص التواصل الإجتماعي الحقيقي لأسباب شتى . 

تقول أمثولة أميركية " القبورُ مليئة بعقول لايمكنُ الإتيانُ بأمثالها " . كل شخص ولِد ومات ( أو سيولد وسيموت ) على هذه الأرض هو فرد متمايز عن سواه . أفكّرُ دوماً في هذه الحقيقة المؤلمة : كلّما زادت سنوات عيش كلّ منّا وتعاظمت خبراته ومعارفه صار أقرب إلى حقيقة الفناء الجسدي ومغادرة عالم الأحياء ، ومع كل شخص مغادر تغيب حصيلة كاملة من الخبرات والمعارف المميزة (حتى لو كانت شديدة البساطة) ، ويتعاظم الشعور بالخسران مع مغادرة عدد كبير من العلماء والفلاسفة والخبراء المعروفين بطلائعيتهم الريادية في فضاءات معرفية محدّدة . كم أتوق ( ويشاركني هذا التوق كثيرون) إلى أن ينجح البشر في إبتكار وسيلة ثورية تمكّننا من الحصول على نسخة رقمية لذاكرة الأشخاص ذوي التجارب الملهمة تضم كل خبراتهم وتمثّل مقاربة معقولة لبلوغ نمط من الخلود الرقمي الذي تعدُنا به بحوث الأنسنة الإنتقالية وعالم مابعد الإنسانية . 

واحدةٌ من الجواهر الفيسبوكية تلك التي قرأتها قبل أيام ، كتبها الصديق الفيسبوكي بمناسبة إكماله السنة السابعة والخمسين من عمره . الصديق أحمد المفتي عراقي تحصّل على الدكتوراه في الهندسة المدنية ويقيم الآن في كندا بعد أن أضطر لمغادرة العراق ، كشأن بعض أبنائنا الذين نجوا من غول الحرب والطائفية . عندما اطلعت على الصفحة الفيسبوكية للدكتور المفتي لإضافته صديقاً، قدّرتُ كثيراً نمط كتاباته الرفيعة التي تتناول موضوعات معرفية وحياتية مهمّة لاشأن لها بالمناكفات والانشغالات العابرة أو اللحظية. انطوت جوهرة المفتي التي عنيتها على مجموعة أمنيات مكتوبة بلغة أقرب ما تكون لخلاصات ثمينة محبوكة بطريقة خوارزمية فيها بساطة الخبرة العرفانية التي تنبئ عن مقولات أولية لايمكن اختزالها إلى عبارات أبسط، وقد ذكّرتني هذه العبارات بثلاث مقالات كتبتُها في صحيفة المدى قبل بضع سنوات بعنوان (خوارزميات الحياة ) . 

يؤكّد الصديق أحمد المفتي في منشوره بدءاً : "كانت لي مساوئي وحسناتي .. علمتني الحياة كثيراً وعلمتني الكتب ما ليس بالقليل "، ثم يتابعُ تعداد أفكاره وأمنياته التي أنقل بعضها هنا : 

- تعلمت أن أعيش مرتاح الضمير ؛ فكان ذلك أروع شيء تعلمته ؛ ولكني تمنيت لو تعلمت ذلك مبكراً 

- تمنيتُ اليوم لو أني قلت كلمة رقيقة لكل أنثى قابلتها في حياتي

- تمنيت لو أني أظهرت محاسن كل إنسان قابلته أو عرفته

- تمنيت لو استطعت أن أحافظ على وزني ولياقتي

- تمنيت لو أني استطعت أن أخدم الناس أكثر 

- تمنيت لو أني لم أقترف ذنباً بحق أحد أبداً

- تمنيت لو أني قلت الحق ولم تأخذني فيه لومة لائم

- تمنيت لو أني زرعت الحب بين الناس وزرعتُ حب العلم فيهم

- تمنيت لو عشت حراً مذ وُلِدْتُ 

ثم يختتم السلسلة بأمنية أخيرة : 

- أمنيتي اليوم أن أعيش لأكتب وأنفع الناس من بعدي

نعم . هناك عقول وأرواح يمثل غيابها خسارة حقيقية لنا إذا لم نطلع على علمها ومعارفها التي قد تغير حياتنا.

كم هي صادقة تلك الأمثولة الأميركية !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram