ستار كاووش
مرًّ هذا العام بكل ما يحمله من أبعاد درامية غريبة، إنها سنة تشبهنا نحن البشر، بكل السلبيات والإيجابيات التي نحملها، ومثلما كانت ميدان بحث حقيقي عند البعض، كانت أيضاً حافلة بإدعاءات الكثيرين.
وبما أن الثقافة بشكل عام هي جانب مهم من هذه الحياة، فقد ظهر الكثيرون ممن يشهرون لقاحاتهم الثقافية غير المطابقة للشروط الصحية! لا يلوون على شيء سوى الحصول على إطلالة وهمية هنا وتأثير عابر هناك. وأزاء ذلك يتساءل العبد الفقير: ما الذي يجمع بين الكذب والقناع؟ بين التعالي والادعاء؟ أعتقد أن هذه الكلمات ما هي إلا وجه من أوجه التضليل الذي يلجأ اليه شخص ما لشعوره في أعماق نفسه بصغر حجمه ومحدودية إمكاناته. والإنسان الذي يمارس هذا التضليل يدرك كمية الهشاشة التي تستقر في إعماق روحه، فلا يوجد شخص متعال أو مغرور إلا وتصاحبه وتستقر بداخله سمات من النقص والانكسار. ولا يستطيع السيطرة على هذا النقص إلا بمحاولة النظر الى الآخرين من الأعلى، وهو بذلك يحاول أن يقلب الصورة الحقيقية لواقع الحال، حيث لا يكتفي بمحاولة تقمص دور الأشخاص المميزين، بل يتعدى ذلك بخطوة إضافية، هي النظر الى الناس من فوق، وهي محاولة لمداراة الفراغ ومحدودية الذكاء وقلة المعرفة، لذا يمكن القول إن المتعالين أعشابٌ ضارة في حديقة حياتنا، هذه الحديقة التي ينشغل الناس الأسوياء بزرعها بزهور المحبة والبساطة والتسامح.
فحين تجتمع النرجسية مع شُح القدرات عند شخص ما، ينتفخ هذا الإنسان مثل البالون ليظهر حجماً غير موجود في الواقع، وإن وُجد فهو مجرد خواء، إنها محاولة غير سوية وبكل الطرق لإخفاء العيوب ومحوها وكأنها ضلالة وشبهة ملتصقة بهذه الشخصية العتيدة. الشخص الطبيعي الممتلئ يكون سهلاً ومنبسطاً عادة، لا يخشى الإفصاح عن عدم معرفته أو إلمامه بهذا الموضوع أو ذاك، وهو يشعر غالباً بالميل الى البساطة والوضوح وعدم إخفاء العثرات في حياته مهما كان حجمها أو نوعها، والعملية لها علاقة وثيقة بالثقة بالنفس، بل أن أساسها هي الثقة الحقيقية. فكلما ازدادت معارف الإنسان أكثر وتطورت قدراته، ازدادت بساطته، وكلما تعلَّمَ أكثر انفتحت روحه.
التعالي، عملية دفاع وهمي عن نقص كبير في ذات الشخص، وهو محاولة لسد الثغرات بطريقة ملفقة، والغرور غيمة غير ماطرة وأقدام كاذبة لا تؤدي الى طريق بقدر ما تشغل الآخرين بتخرصات مشوّهة الى أن تتضح الرؤية وتظهر حقيقة (ثياب الأمبراطور). الناس المتعالون ينخفض لديهم منسوب المحبة كثيراً، لذا ليس غريباً أن نرى هؤلاء الضارين وغير المنتجين هم الذين يقدمون انتقاداتهم عادة للأشخاص المنتجين، وهم لا يكتفون بذلك بل يحاولون التقليل من شأن كل شخص ناجح، وهكذا لم يكتفوا بجهلهم وانعدام مواهبهم ومحدودية أفقهم، بل يحاولون وضع عصيهم الخرقاء في عجلات الآخرين لإيقافهم وتعطيل مسيرهم، وهم لا يعرفون أن الأذكياء والموهوبين لا تهمهم العجلة مادامت سيقانهم قادرة على المسير، والمهم هو معرفة الطريق قبل ابتكار طريقة السير.
هناك من لا يجرؤ على قول شيء عن نفسه، وفوق هذا كله يغلق أزرار معطفه بإحكام وعيناه تتلصص وتلتقط المؤاخذات التي تناسب مزاجه. افتح معطفك ياشريكنا في هذه الحياة وحاول مشاركة الآخرين تجاربك في الحياة إن كنت تدعي التميز، فالمبدع الحقيقي لا يخشى قول أي شيء يتعلق بحياته والظروف التي مرَّ بها، بل يحولها الى طاقة إيجابية تدفعه الى الأمام. فكيف يكون المبدع نموذجاً ودافعاً للآخرين، وهو يخفي عنهم روحه ووجهه الحقيقي؟ عادة ما نتعلم الكثير من المجتهدين والناجحين الذين وضعوا بكل محبة تجاربهم بين أيدينا، لذا علينا أن نضع تجاربنا بين أيدي الأجيال التي تأتي بعدنا، لنختصر لهم الطريق ونعطيهم دافعاً للتطور.
علينا أولاً أن نتخلص من عقدة السوبرمان التي بداخلنا، وعند ذاك سيظهر الإنسان الذي بداخلنا مشعاً وجميلاً، نقشر أنفسنا كما تُقشر البرتقالة ليظهر عطر الإنسان الحقيقي الذي نحن عليه. فمهما أحكما إغلاق أزرار معاطفنا، فذلك لا يتعدى سوى حمايتنا من البرد، وهو بالتأكيد لن يقينا السهام التي يمكن أن تصوب نحونا حين تأتي ساعة الحقيقة.