TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > 2020 وإشكالية التسمية

2020 وإشكالية التسمية

نشر في: 30 ديسمبر, 2020: 07:35 م

 كه يلان محمد

تبدأُ علاقة الإنسان مع الأشياء والظواهر من خلال تسميتها وهو لايدع مايقعُ حتى خارج المحسوس إلا ويستنبطُ له إسماً إذاً فإنَّ الكائن البشري يستمدُ فرادته من إمكانية نحت الإسماء "وعلمنا آدم الأسماء كلها" مايثير سؤالاً إشكالياً مع السنة التي لم يبقَ منها إلا أيام معدودات ليس النقص في الأسماء بل الزحمة في معجم المفردات المتداولة لتحديد تصور حول هذه السنة

ومن المعلوم بأنَّ الحكم على شيء فرع من تصوره هنا قد لايكون الحكمُ مهماً بقدر ما يجبُ رصد المترادفات التي تشيرُ إلى التضييق في مجال حركة الإنسان وظهوره الجزئي فالوجه الذي يُعد مجازاً لكينونته أصبح شبه محتجب في 2020 كما لم يعد هناك مكان آمن فالعالم كله أصبح نهب الخوف والقلق والحال هذه فماذا يكون عليه شكل 2020 في الأذهان، لأنَّ إعطاء الشكل لمدة زمنية مطلب الذاكرة على حد تعبير "ميلان كونديرا" وما أن وقعت الإغارة الوبائية على العالم حتى علت بعض الأصوات مطالبةً بتعديل الرقم وإن كان هذا الأمر لايعدو ضرباً من المزاح لكن يكشفُ من جديد عن حلقة مجهولة في طبيعة البشر والتوسل بالتعاويذ لفك عقدة الأزمات عندما يتأخر إيجاد الحلول بطريقة عقلانية.ربما ليس من الخطأ توصيف الحالة التي لايزال يعيشها العالم في الصراع مع الوباء بالحرب فبرأي الفيلسوف الفرنسي آلان تورين أن مانمرُ به حالياً هو حرب بدون مقاتلين فالعدو غير مرئي فالبتالي يتمُ التعامل مع الآخر بوصفه كائناً ملغماً.

مرحلة فاصلة

طبعاً تعكسُ العبارات الإرشادية في وسائل الإعلام "في التباعد حياة" حجم القلق والتحول الذي أحدثته الجائحة في شكل التعامل الإجتماعي وسلوكيات الحياة اليومية بحيثُ صار الناسُ أكثرَ حضوراً في الفضاء الإفتراضي مع الإنسحاب من الواقع إذ حلت الشاشةُ مكان الفصول الدراسية وما يحظى بإهتمام الرأي العام العالمي هو أخبار متسربة من مختبرات العلم بدلاً من تصريحات السياسيين.فكان الوباء عاملاً حاسماً في الإنتخابات الأميركية ولولا تقاعس ترامب في التعاطي مع تصاعد عدد المصابين والوفيات في أميركا لما وجد خصمه الطريق سالكاً إلى البيت الأبيض مايعني أن الأولوية ستكون للصحة بالنسبة للمواطن.وأنَّ مايفيدُ الدولةَ ليس الترسانة النووية بل وجود الطاقات والعقليات العلمية التي يمكن التعويل عليها لتفادي الإنجرار إلى الكارثة . يشارُ إلى أنَّ كورونا قد كشف ثغرات في النظام العالمي وأبان عن القصور في إدراك المخاطر التي تحدق بالبشرية وغاب عن الجميع بأنَّ مفهوم الزمن الآمن ماهو إلا وهمُ وإنَّ تاريخنا سلسلة من الأحداث الكبيرة التي لم يتوقعها أي شخص وفق رأي "نسيم طالب" ومن جانبه يرى المفكر الأميركي "نعوم تشومسكي" في الجائحة علامة تحذير ودرس للبشرية مشيراً إلى ضرورة البحث عن الجذور التي تؤدي إلى أزمات قد تكونُ أكثر شراسة مما نواجهه اليوم.إذاً فإنَّ تاريخ إعلان أول حالة الإصابة بكورونا في 7 كانون الثاني 2020 يعدُ مرحلة فاصلة في حياة الأمم والشعوب . إذ ماعاد التفكير في النهاية أوالفوز بفرصة جديدة للحياة هو مايشغلُ الإنسان فحسب بل الفراغ الناجم من الإنسحاب إلى البيت وفائض الوقت قد سببا أرقاً وشعوراً بالخواء لدى الجميع أيضاً، فشن كل شخص من جانبه حرباً دونكيشوتية على التقيدات والعزلة الإجبارية وماتمت مشاهداته من العروض على وسائل التواصل الإجتماعي كان أعراضاً للجنون الجماعي.هكذا عندما حلت ، الصمت ، وأصبحت الإنسانية واقعةً على تخوم الجنون بدأت بومةُ مينيرفا تبسطُ جناحيها واحتل الفلاسفة صدارة المشهد العالمي ومردُ هذا الإهتمام الكبير بالفلسفة في وقت الأزمات هو حاجة الإنسان الملحة إلى الحكمة والإعتدال في إدارة أيامه بعيداً عن الخوف الذي يصفه أبيقور بالعدو الأكبر، والكتاب الذي يواظب على متابعته وزير الصحة الفرنسية منذ إنتشار كوفيد19 هو "تأملات ماركوس أورليوس" حسب مايذكر ذلك عبد السلام بنعبد العالي في مقاله بعنوان " رواقيون من دون رواقية" ويشيرُ الكاتبُ العراقي "علي حسين" في كتابه "مائدة كورونا" إلى أن الفلسفة لم تثر إهتمام الناس منذ السنوات مثلما هو واقع اليوم عليه أنَّ ماقاله العالم البريطاني ستيفن هوكنغ عن موت الفلسفة لم يكن إلا تطرفاً ناشئاً من الإنتشاء بالعلم ففي زمن كورونا قد إستعادت أروقة الفلسفة إعتبارها وتبين بأنَّ العلم لايفكرُ على حد قول هايدغر فيما حذر أحد المفكرين قبل أكثر من نصف قرن بأن الناس يجدون أنفسهم في مواجهة واقعة لم يكن في وسع أحد أن يتخيلها.

الصمت

لايثيرُ صوتُ زمجرة آلات قتالية ولا دوي القنابل ريبة الإنسان إنما الصمت الذي يدوم أكثر مماهو متوقعُ يعمقُ شكه لدرجة قد يفقدُ توازنه لذلك قال الفيلسوف الفرنسي باسكال "إن صمت هذه الفضاءات اللامتناهية يخيفني" صحيح هو يقصدُ بكلامه الكون ومايلفه من الصمت غير أنَّ من خرجَ أثناء فترة الإغلاق العام قد شعرَ بثقل الصمت في الشوارع والأماكن العامة فأينما وليت بصرك فثمة اللامتوقع الخالي من التشويق نعم قد يبدو لك المشهدُ جديداً لكن لايمكنُ الإستئناس به.من يملأُ كل هذا الفراغ الممتد في الفضاء المسكون بالصمت مايشدكُ ليس صوت العصافير ولاحفيف الأوراق ولا زرقة السماء ولا هواجسك الداخلية بل اللاشكل الجاثم على الأشياء.وحين كسر الناسُ حاجز الخوف ودبت الحياةُ جزئياً في الشوارع بعد تحديد ساعات للحركة كان النظر يقع على مشاهد ربما لم تخطر على بال أي مبدع ، إذ كانت حركة الناس وهم يخرجون من التجمعات التسويقية قبل نفاد الوقت في غاية الغرابة.وأكثر مالفت الإنتباه في هذا المشهد هو شكل إنتشار المارة الحاملين لأكياس البضائع ومن ثم الصمت الذي كان يعقبهُ من جديد.يخيلُ إليك أن ماشاهدته فيلما ما استمرَّ إلا لحظات محدودة أخيرأً عام 2020 سيمضي قريباً هل يحقُ لنا التفاؤلُ بالعام الجديد؟ من الأفضل التفكير فوق ثنائية التشاؤم والتفاؤل ونتصرف بإيحاء من كلام محمود درويش 

حين تبدو السماء رمادية

وأرى وردة نتأت فجأة

من شقوق جدار

لا أقول : السماء رمادية

بل أطيل التفرس في وردة

وأقول لها :ياله من نهار

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram