علي حسين
عندما أصدر توفيق الحكيم كتابه "حماري قال لي" أصر على وضع صورته مع الحمارعلى الغلاف. واتهم عباس محمود العقاد الحكيم بأنه استوحى فكرة كتابه من كتاب "أنا وحماري" للأديب الأسباني خوان رامون خمنيث.
فقرر الحكيم أن يكون رده كتاباً جديداً بعنوان "حمار الحكيم".. طبعاً لم تصل مخيلة المرحوم توفيق الحكيم إلى أن يصبح " حمار" قناة دجلة الذي تنافس عليه نجاح محمد علي والنائب رحيم العبودي أشهر من "حمار "الحكيم وتفوق على حمار المرحوم خوان رامون خمنيث، بحيث استطاع أن يحقق أعلى مشاهدة وتعليقات لم يحلم بها توفيق الحكيم نفسه وهو يكتب ثلاثيته الشهيرة عن "الحمير".
في العراق هناك ظواهر عجيبة وغريبة أبرزها ظاهرة المحلل السياسي الرشاش، وأعني به السياسي الذي لا يتوقف عن الصراخ، ما إن تضع أمامه المايكروفون تجده يقول كل ما يخطر على بال المشاهد، وما لا يخطر أيضاً، والغريب أنّ هذا "المحلل" له قضية واحدة تشغله دائماً وأعني بها مسألة "المبلغ" الذي سيتقاضاه كلما تمكن من إدهاش المتفرج بألفاظ خارجة ليس على القانون فقط وإنما على الأخلاق، ولكن ماذا أفعل ياسادة وقنواتنا الفضائية لا حديث يعلو عندها على حديث "الحمار"؟
في هذه البلاد تحوّل الحمار عند البعض إلى وسيلة استعراض، حيث أصبح الحديث عن "الحمار" عنواناً لمرحلة جديدة. مع حديث الحمير الذي أتحفنا به نجاح محمد علي بالتعاون مع النائب رحيم العبودي سنكتشف أننا نعيش اليوم مشهداً طويلاً من التراجع والتخلف الحضاري.. نعيش في ظلّ ساسة ومسؤولين لا يملكون مقاييس بسيطة للكفاءة، لم نشهد معهم سوى تراجعاً في التعليم والصحة والخدمات والأمن، وزمن من الخواء الفظيع.
لذلك عندما خرجت علينا النائبة عالية نصيف لتتحدث في مسالة " القندرة ، اكتشف متابعو الحالة العراقية أن هناك أساليب وخطوات جديدة في الخطاب السياسي، كان قد قدَّم لها محمود المشهداني قبل سنوات بعبارته الشهيرة "نحن عندنا تبويب للدستور، لأن هذه الفقرات تخرب المجتمع وتؤدي إلى نشوء جيل (دايح)"، ولا شك في أن دارسي المجتمع العراقي سوف يتوقفون طويلاً عند هذه المرحلة من التاريخ العابق بالمقولات "العظيمة".
أحزاب وتجمعات تسخر من الوطنية وتعتبرها عارًا، فيما يتنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الأول يشرّع قوانين تمنح أصحاب الصواريخ وكواتم الصوت حرية الحركة، والثاني يضحك عليهم بشعارات الطائفية .
للاسف تحولت الازمة العراقية إلى عرض صراع خطب شوارع، وتمّ رسم خريطة هزلية لعمليّة الإنقاذ، ونسي الجميع أنّ ألعاب السيرك في الفضائيات لا تصنع سوى الخراب. التنمية والعدالة الاجتماعية يصنعها الوطنيون وذوو النيات الخيرة وأهل العمل البنّاء. راقصو السيرك لاهمّ لهم سوى الضحك على الجمهور والسعي الى إشغاله بألعاب " حمارية "