طالب عبد العزيز
"المرابد وفي خلال هذه المدة كانت لا تتعدى كونها مناسبات تقتصر فقط على اللقاء ما بين الشعراء للتعارف".. مَنْ منّا يختلف مع الجملة هذه، التي قالها وزير الثقافة د. حسن ناظم، بما عرف عنه من حرص وحصافة رأي؟ ولماذا نتطيّر ونُستثار غضباً من الكلام المسؤول، الذي يؤشر مواطن الخلل في ثقافتنا، ويبحث في الحلول؟ ولماذا ترفض وتستنكر إدارة اتحاد الادباء في البصرة قول الوزير؟ ترى ما الذي تحقق من مهرجانات المربد التي عقدت منذ ربيع العام 2003 الى اليوم؟
لسنا هنا في موضع الدفاع عن الوزير، ولا وجوب لقولنا بانه إنما يتكلم من موقع المسؤولية، لكنني أجزم بانَّ المئات من الادباء في العراق، والمثقفين المدعوين من العرب، كانوا قد نفضوا ايديهم من مهرجان المربد، ومنذ سنوات الحرب الايرانية العراقية، بعد أن تحولت منصته الى مرتفع لكيل المديح، لشخص صدام حسين، وما يقوم به، ولم تشفع السنوات الماضية، التي اعقبت سقوط النظام له، بل ظلَّت الجهات المسؤولة عنه تكررُ الآلية السابقة، وذلك باصرار الادارات في بغداد والبصرة على جعله مهرجاناً جماهيرياً، غايته التحشيد لأكبر عدد من الشعراء، الحقيقيين والطارئين من الداخل والخارج، في فوضى إعلامية أكثر مما هي ثقافية، لم تنتج مفهوماً لها، إذ لم نلحظ قيام ظاهرة نقدية، رافقت وحايثت آلاف القصائد التي قرئت،على مدى أكثر من عقد ونصف، بما يعني انه بات غير منتج.
يصادف أنْ نُدعى لهرجانات شعرية وثقافية خارج العراق، وغالبا ما نلمس الجديّة في التنظيم، وبأفضل السبل وأنجحها، بدءاً من وصول الدعوة الى الضيف، ومرافقته طوال فترة المهرجان، وانتهاءً بتوديعه في المطار، ورأينا كيف تحدّث الجهاتُ الداعية تلك من آلية القراءات الشعرية والتي تبدأ من تنظيم القاعة، وبما يتناسب مع قيمة وأهمية المدعوين من خلال ابتكار طرق جديدة في رصف المقاعد والطاولات، وحتى التدخل بألوانها ونوعية الاضاءة، وهندسة الصوت والفواصل بين القراءات، وأشياء جميلة وهامة أخر، تتبناها جهات فنية، وتنظيمية مختصة، تُستقدم لغايات كهذه، بحسب يقينها بأنَّ نجاح التنظيم يكون عاملاً هاماً في نجاح المهرجان الثقافي كله.
في كل مربد للشعر تعاني اللجنة المسؤولة عن اقامته من التخصيص المالي، وتأخذ المخاطبات بين اتحاد الادباء والوزارة شوطاً في ذلك، وكثيراً ما تلجأ إدارة اتحاد الادباء الى المحافظ وشركة النفط والموانئ وربما الى جهات سياسية، في سبيل تأمين ضيافة الشعراء المدعوين، وسد حاجتهم الى السكن والاطعام والتنقلات، وكثيراً ما جوبهت الادارة برفض أو امتعاض المحافظ، والجهات تلك في دفع الكلف المالية، بل ونسمع عن تخوين ما للجهة هذه أو تلك، وهناك عشرات الاشخاص ممن يحدثوننا عن ما هو ابعد من ذلك. ترى، هل كانت الغاية من اقامة المهرجان تنصبُّ حقاً في خدمة الثقافة؟ وهل كانت المهرجانات فعلاً خالصاً لوجه الثقافة؟ وهنا نسأل: ما الذي تحقق؟ قد نجد بيننا من يجرؤ فيقول: إنَّ الادارات المتعاقبة كانت تسعى لذلك طمعاً في تحقيق غايات شخصية لا غير.