علي حسين
ما أن ننتهي من قراءة كتاب ممتع ومؤثر، حتى نتساءل من أين استمدّ الكاتب موضوعه ؟ لسنوات كنت أعتقد أن فلاديمير نابوكوف كاتب مهتم بالنساء وعلاقاتهن، وأن رواياته مجرد حكايات عن العشق ينفخ فيها بأسلوبه ومخيلته.
الآن اكتشفتُ وأنا اقرأ يومياته "تكلمي أيتها الكلمات" أن الرجل الذي عاش ما يقارب الثمانين عاماً، وكتب الكثير من الروايات، أن صاحب "لوليتا" كان يدرك أن الخراب ينشأ في العالم من الاستبداد واللامبالاة والافتقار إلى الفهم الذي يتوهم أصحابه بأنهم يعرفون كل شيء، ومن ثم يدّعون لأنفسهم الحق في خداع الآخرين . في مذكراته، يرسم لنا ناباكوف صورة جميلة للحياة ويحذرمن السعي لقتل الأشياء الجميلة، وعدم النظر بجدية إلى المستقبل. أرجو من جنابك ألا تسخر من سذاجتي وتقول "يا رجل"، ترطن بالروايات، في الوقت الذي انتصرنا فيه على الديمقراطية الأمريكية، وقدمنا نموذجاً حضارياً إلى العالم عندما أطلقنا الرصاص على آلاف المتظاهرين لأنهم طالبوا بمحاسبة الفاسدين، ياعزيزي الذي لم تنم فرحاً بما حدث في امريكا ، فاتك أن تنظر إلى الصورة الأخرى، المؤسسات القوية التي تحكم القرار السياسي ، والتي وقفت بحسم ضد نزوات ترامب وجمهوره، حيث تطلعت أعيننا إلى مشاهد لم نألفها، نائب الرئيس يندد بما فعله أنصار رئيسه، ويقرر أن يوقع على قرار فوز بايدن، الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب يصدر بياناً يدين فيه ما فعله " ابو إيفانكا " ، ويقرر الحزب أن يقف إلى جانب مؤسسات الدولة.. أما نحن في هذه البلاد فالحزب يكشر عن أنيابه إذا ما اقترب أحد من قادته، في هذه البلاد ننتخب ساسة لا يحترمون مؤسسات الدولة . مشكلتنا ياعزيزي أنّ السياسي عندنا أهمّ من الدولة، وأن الأحزاب هي المالكة الشرعية للبلاد، تُقسم المناصب فيما بينها وتضع الأقارب والأحباب على رأس مؤسسات الدولة، وترفع شعار الولاء بدلاً من الكفاءة.
مضحكة الديمقراطية العراقية، فلسنوات نكتب ونؤشر عن الخراب، والأحزاب لا ترى.. ولا تسمع.. ولا يهمها صراخ الناس، بل إنها قامت، وبشطارة، بتفريخ أحزاب جديدة ترفع يافطات من عينة "الإنجاز" و"التقدم" و"الاقتدار" و"المرحلة" و"الوعي" و"الحقوق"، والأهم أن يؤسس همام حمودي مع جلال الدين الصغير حزباً للتصحيح، فيما يصر تيار الحل لصاحبة جمال الكربولي على أن لا حل لمشاكل العراق من دون منح مزيد من المقاولات إلى آل الكربولي، في الوقت الذي يعتقد فيه محمد الحلبوسي على أنه وحده له الحق في تأسيس حزب عراقي "كامل الدسم".
في كل يوم يكتشف المواطن العراقي أنه على حافة المجهول. والمجهول في كل مرة احزاب "كاريكاتورية "، لا تهتم بمستقبل الملايين من الناس الذين يجدون كل يوم ان الخراب يخيم على مؤسسات الدولة.