علي حسين
حيثما أجد موضوعاً عن رئيس الأوروغواي السابقخوسيه موخيكا أقرأه. صحيح إننا لن نحظى في يوم من الأيام بمثل هؤلاء الرؤساء، لاننا لا نتخيل ان نعيش مع مسؤول كبير "الحجم والوزن" لا يمتلك أسطول سيارات وإنما سيارة عتيقة، ويعيش في منزل صغير في الريف ويتبرع بمعظم راتبه للأعمال الخيرية، يعلق على لقب أفقر رئيس قائلاً:
"لست أفقر الرؤساء، الأفقر هو من يحتاج إلى الكثير ليبقى على قيد الحياة ، كان باستطاعة موخيكا أن يعيش في القصر الرئاسي، لكنه آثر الإقامة في بيته القديم . ويقول: "نحن نرى في ذلك طريقة للقتال في سبيل حريتنا الشخصية. فمجرد أنك أصبحت رئيساً لا يلغي كونك إنساناً عادياً".
قبل اسابيع قرر موخيكا ان يعتزل الحياة السياسية ، ويترك كرسيه في البرلمان ، مؤكدا ان هناك من هو افضل منه لخدمة البلاد ، لكن رغم الاستقالة لا يزال موخيكا يسيطر على المشهد السياسي والاجتماعي لبلاده ويقدم نموذجا للمسؤول المتصالح مع نفسه .
منذ اليوم الاول لجلوسه على كرسي لتسلمه السلطة ، لم يصدر قوانين لاجتثاث معارضيه ، بل سعى الى اشاعة فكرة التسامح بين جميع ابناء الوطن ، وقرر ان يغلق باب الاحقاد: "لقد عانيت لكن لا يمكنك أن تتمسّك بالحقد والكره. ما كنت لأصبح الشخص الذي أنا عليه اليوم لو لم أتجاوز ما اختبرته خلال تلك السنوات" .
كلما كتبت عن تجارب الأمم وقصص الشعوب، أجد في اليوم التالي من يعاتبني، لأنني أترك هموم هذه البلاد، وأنباء التي تبشرنا بان اكثر من 400 حزب سياسي قدمت طلبات تسجيل الى المفوضية والبقية في الطريق ، والمضحك ان هذا الرقم يفوق عدد اعضاء مجلس النواب . ولأن ما يجري في هذه البلاد العجيبة ليس من اختراعي، وتقلبات الساسة وأهواؤهم خارج همومي، ومع ذلك فأن البعض يعتبر ما يجري حولنا مجرد وجهات نظر لا تعني هذا الشعب المطلوب منه دوما أن يهتف بحياة القادة الملهمين، سوف أترك الكلام لموخيكا يقول : "إن المسؤول موظف يتم اختياره لملء منصب معين، ليس ملكاً ولا هو إله ولا هو ساحر القبيلة.. إنه موظف حكومي وأعتقد أن أفضل طريقة للعيش هي أن يعيش المرء مثل أكثرية أبناء الشعب الذين نحاول أن نخدمهم ونمثلهم".
كلما تجوّلنا في تجارب الأمم نتذكر أننا حلمنا يوماً برئيس يحمل صفة إنسان عادي.. مسؤول يفضل القانون على الفساد، ويختار التواضع على المكابرة الفارغة. ويقرر أن يكون حاضر ومستقبل بلاده ملكاً للجميع لا لطائفة واحدة ، والوطن أمانة لا يمكن رهنه أو إيجاره لدول الجوار.