طالب عبد العزيز
هذا النهار يليق بك نائمةً الى مسائه الأخير، فاتركي إبريق الشاي على عين الفرن الزرقاء موقدةً، سأطفئها ذات يوم، واتركي حبل الغسيل بما عليه من الثياب، ستحملُ الريحُ قميصك الى العشب، حيث أطلقتُ صنبور الماء هناك، وماذا يعني إن لم تستيقظي ؟ كل شمس ستغيب ذات مساء، وتنتهي في بحر قريب،
وكل فجر سيولد ذات صباح، يمنح النخل والانهار صفحته البيضاء، وكل ليل سينتهي الى ما انتهت الليالي اليه من قبل، لكنك ستظلين نائمة، مطلقة الجفن واليدين، ينحسر عن كتفك حرير الأغطية، ويتمردُ على حاشية السرير شيء منك، يشبه فرخ إوز أبيض، ربلة ساقك تلك، أم ما لا يطالعني من عكن بطنك وأريده. بعد قليل سينطَّ أرنبٌ صغير من حمالة صدرك، وقد تحدث أشياء اخر، لا اودُّ تدوينها الآن، لكن، ما انتفاع النهارات والمساءات بك، إن ظلت تأتي وتروح وأنت نائمة بعد ما تزالين؟
شددتُ السرير بحبل صبري عليك يقظةً، وأرخيته بحصان مباهجي بك نائمةً، ومن خلف النافذة ،حيث تخمش الريح من شعرك شيئاً، ومن الشرشف مثله، وفي عطلِ ما اتوهمه دائماً، كنتُ أطلت تأمل ما سيجيئ من تقلبك بين الوسائد، أو ما يبتكره الضوء من المغانم في جسد نائم كالذي أنت فيه، لكنَّ شجيرة شوفان البحر ، بظلها الاطلنطي، تفلتت من أصيصها، شيء مما لا نرغب في بقائه متناسقاً، صارت الى قائم الطاولة أقرب منها اليك، التراب النّديُّ بالزهر اليابس، مع السلك المعدني، الذي كان يسندها لم يعد في موشور الصورة كاملاً، شيءٌ مما لا نتوقع لحظته انهدم فجأة ، يفصح عنه التنسيق الفائض في الامكنة، لذا، لن أبحث في المذياع عن أغنية خالدة، ولن أوقظ مصباح السرير، عند رأسك من رقدته، ساكتفي بفعل صامت بمقبض الباب، واترك الحلم بأناقته كاملاً .
لكن، الى مَ ستبقين نائمة هكذا، خزانة ثيابك تنفتح وتنغلق، ولا أحد يوقف اصطفاق أبوابها، علب زينتك تصطف وتتبعثر قرب مرآتك، ولا تجدك بينها، وفي المحيط الوسيع الذي ظل لي بين السرير والطاولة تتأبَّهُ لحظة وقوفك، فتصير الستارة واحدة مما لا أحسنُ تأمله، أكثر من ذريعة تشبتُ بها، هكذا روضتُ المعاني كيما تظل صامتةً خارج رطانة الجسد، ومثل لوح مسماري مخروم أخذت جُماع مباهجي الى هناك، الى ما يتطحلب في الحلم. بين شجيرة شوفان البحر وشرق النافذة كانت خرائط جسدك كثيرة.
كل بحر تنخلع خشبة مرساته ينال مني، وكل شجرة في الحديقة تنذرني بعاصفة، لذا، لن اخلع على القطيفة ألقاباً، إذا قلت بأنها تبحث في فساتينك عمّا كان بين طياتها من عطر جسدك، ولا أقف عند واحد، القطن المحبوك والجبردين الشتائي دافئ، الشيفون والموسلين الصيفي بارد، وما بينهما تأتي وتروح الفصول، و ينعتق من الرؤيا ما ينعتق، ومن مشجب في الركن، الذي أعتم الآن يتفلت من حمالته قفطانك الأسود، أحاول تدوين ما اتذكره، لكنَّ شعرك الذي انسرح عليه أفسد الأبجديات كلها .