علي حسين
قارئ عراقي كتب تعليقاً على أحد مقالات "العبد الفقير لله" يسألني: لماذا أنا مهتم بتجارب الشعوب، وأعيد وأصقل بتجربة سنغافورة وكوريا الجنوبية والإمارات العربية واليابان وأضيف إليها اليوم الدنمارك والنرويج وإيسلندا؟، وسيكون جوابي كالمعتاد أن مهمة الصحفي هي أن ينبه إلى المدى الذي يمكن أن يصل إليه المسؤول حين يقرر أن يتفرغ للبناء وتطوير الأوطان.
أعرف جيداً أن الكثير من القرّاء الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من الترف، لكنك ياعزيزي القارئ عندما تعرف أن العراق عام 1971 كان مؤملاً له أن يكون بلداً مثل اليابان أو ألمانيا لوفرة أمواله وعقول أبنائه ، وبدلاً من أن يهتم قادتنا الأشاوس بالبناء والعمران انشغلوا بالحروب ، في العام نفسه واعني به عام 1971 قرر الراحل الشيخ زايد تأسيس الإمارات العربية، وبعد خمسة عقود تحولت الإمارات إلى واحة من الجمال وورشة للعمل والسعادة، فيما لا يزال العراق يعتبر تبليط شارع إنجازاً ثورياً لا بد من أن يتصدر الصحف ووكالات الأنباء .
نعم ياعزيزي، يستحق الأمر منا أن نلتفت لتجارب الشعوب، لأننا سوف نعرف مدى الفرق بين بناء ناطحات سحاب، وبين دولة تعجز عن رفع النفايات، صرفنا مئات المليارات من أجل أن نثبت للعالم أننا نعشق "السيادة"، لكننا في الوقت نفسه حرمنا المواطن البسيط من أن يتمتع ولو بشيء بسيط من الرفاهية الاجتماعية . نتحدث عن تجارب الحكومات التي أشاعت نظام الكفاية لكل المواطنين.. مع شعار الحق في الرفاهية والسكن والصحة والتعليم. في الوقت الذي ما نزال نستمع إلى الأخبار التي تطالبنا بشد الأحزمة وإعلان التقشف، وفي نفس الوقت الذي تضع الإمارات نفسها على سلم الدول الأكثر دخلاً للفرد، ننتظر في بلاد الرافدين الإعلان عن توزيع الرواتب باعتباره شارة نصر تحققت لهذه البلاد.
اليوم تقاس رفاهية البلدان بما تقدمة لمواطنيها ، وحين تتربع الامارات على عرش السعادة في البلدان العربية بينما العراق ينافس ليبيا في سلم القائمة ، فهذا يعني ان عليك عزيزي القارئ ان تعيد النظر في مفاهيم الحكم ، فلم تعد الدول تتباهى بالصواريخ العابرة للقارات ولا بالشعارات الثورية ، فقد انتصرت في النهاية بلاد صغيرة اسمها فنلندا لا تزال منذ سسنوات تتربع على عرش البلدان الاكثر سعادة .
خلال نصف قرن تحولت الإمارات إلى ورشة عمل وبناء، وحققت النجاح دون خطب رنانة، ، وخلال نصف قرن غطت الأبراج العالية رمال الصحراء، وخلال نصف القرن أيضا تحول العراق من أغنى بلد نفطي إلى دولة تمارس الصمت على القصف التركي لأنها بحاجة إلى قرض من أنقرة.