ستار كاووش
(أحقاً تُستخدم المروحة اليدوية كَلُغَةٍ سرية لأجل ايصال رسائل لأشخاص معينين؟) هكذا سألتني إحدى الصديقات وهي تتطلع الى لوحاتي التي رسمتها على المراوح، ويدها تتحرك بغنج كمن يمسك مروحة.
فنظرتُ الى وجهها الذي بدا كأنه قد خرج تواً من واحدة من لوحات تولوز لوتريك وأجبتها مازحاً بطريقة مسرحية (نعم هذا أكيد، وحركتك هذه تحمل رسالة تطلبين مني فيها لقاءً عاطفياً في الحديقة المجاورة!) فضحكنا معاً، قبل ان أُؤيدها في كلامها وأتأسف على عصر الرومانسية الذي حمل مراوحه الجميلة ورحل بعيداً، فاسحاً المجال كله لوسائل التواصل الاجتماعي.
لم تستخدم النساء المراوح اليدوية في الماضي اعتباطاً، بل كلغة ترسل رسائل تشبه الشفرات التي تحمل الكثير من الرمزية، وكانت تشير الى أشخاص معينين، بعد أن تشعر بنواياهم، وتخبرهم بطريقة غير مباشرة بما يتوجب عليهم القيام به، وفي الغالب تحمل هذه الرسائل السرية إشارات مغلفة بالغواية. وهنا يعتمد معنى هذه البرقيات الخفية وهدفها على تثبيت المروحة بشكل معين مع الجسد، فحين تحرك المرأة المروحة باتجاه كتفها الأيمن فهذا يعني رسالة الى رجل معين بأن يكف عن محاولاته بالتقرّب منها. وحين يمس طرف المروحة عينها اليمنى فهذا يعني بأنها لا تمانع من مواعدة الرجل المعني في أقرب وقت. أما إذا غطت كلتا عينيها بالمروحة فهذه إشارة الى أنها مغرمة بالرجل الذي تشير له. في حين لو ضغطت طرف المروحة قليلاً على أذنها اليسرى فهذا يدل على أنها ترغب في بقاء العلاقة سرية بينهما. ويمتد استخدام المروحة الى أغراض أخرى متنوعة تشمل حتى الموسيقى والرقص والعروض المسرحية، كما في موسيقى ورقصات الفلامنكو في إسبانيا، وعروض البانسوري في كوريا (أوبرا يقدمها شخص واحد) وغيرها الكثير.
وبعيداً عن تلك الغوايات، لعبت المروحة خلال قرون عديدة دوراً بارزاً بالنسبة للنساء، وهن يمسكن بها للتهدئة وامتصاص القلق، أو لعرض الثراء والمكانة الاجتماعية أو لإكمال الأناقة المطلوبة، حيث كانت تصنع من مواد وأقمشة باهظة الثمن ولا حدود لتنوعها، مثل الحرير والمخمل والساتان والباتيست والكتان والدانتيل والرق والورق والعظام والريش والعاج والمرمر والفضة والذهب والخشب واللؤلؤ، ولا ينتهي الأمر بالتطريز ولا يتوقف عند الماس والأحجار الكريمة.
يعود تاريخ المروحة الى آلاف السنين في العراق ومصر والصين، لكن المروحة الحديثة التي نعرفها ابتكرها الصينيون الذين بدأوا بصناعتها من قصب البامبو والحرير وزينوها بالرسومات الجميلة، قبل أن تشمل صناعتها مواد أخرى لا حصر لها، لكنها عند الصينيين كانت ثابتة وغير قابلة للطي، الى أن أدخلها اليابانيون في ثقافتهم فابتكروا شكلها الأخير وصارت تطوى بسهولة، بعد أن استلهموا هيئتها من شكل ذيل الطاووس المفتوح، وهي تتكون عادة من أعواد متصلة ببعضها من جانب، بينما يربطها من الجانب الآخر نسيج أو مادة أخرى لا تسمح بمرور الهواء، وبعد أن تُحَرَّك قرب الوجه تنتج تياراً هوائياً مريحاً. وفي الوقت الحالي اختفت تقريباً هذه المفردة الرومانسية أو قلَّت شعبيتها وتغير شكلها حسب الحاجة والمواد المصنوعة منها، كالمروحة العراقية المدهشة التي تصنع من سعف وخوص النخيل، وهي رائعة وتتناسب مع مناخ العراق الحار.
استهواني كثيراً شكل المروحة اليدوية وطريقة صناعتها بتلك الطيّات التي تشبه شكل الأوكرديون ورسمتها في العديد من اللوحات، مثلما رسمها رسامون لا حصر لهم، مثل رينوار وبيكاسو اللذان وضعاها بأيدي الموديلات الجميلة، بينما علقها رسامون آخرون خلف الموديلات كما فعل فنسنت فان خوخ ومونيه. لكني لم أكتفِ برسم لوحات تظهر فيها المروحة اليدوية، بل صنعت المروحة نفسها، ورسمت لوحات تأخذ في هيئتها الخارجية هيئة المروحة ذاتها بدلاً من أن تكون اللوحة مربعة أو مستطيلة، وصممت مراوح كثيرة من القصب والحرير ورسمت عليها بأسلوبي. وبعد أن اكتملت لديَّ مجموعة جيدة من المراوح، قررت أن أتواصل مع (متحف المراوح اليدوية) في لندن لأجل معرض شخصي أعرض فيه مراوحي، لكن كورونا داهم الجميع وتأجلت بسببه الكثير من النشاطات ومنها مراوحي الرومانسية التي يغفو بين طيّاتها العشاق الذين عكفت على رسمهم أشهراً عديدة.