د. فالح الحمراني
وفقًاً للفريق الجديد للرئيس الأميركي جوزيف بايدن ، إن العدو الستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة ستكون روسيا. وهذا ما أعلنه وزيري الخارجية توني بلينكين و الدفاع لويد أوستن خلال كلماتهم أمام الكونغرس، وتعتزم الولايات المتحدة أن تصبح أكثر نشاطًاً في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية للاتحاد الروسي.
بما في ذلك - في مناطق الشرق الأوسط وفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. وهذه المناطق كما جاء في خطبهم يقوم البنتاغون بتقليص عدد فرقه العسكرية في أفغانستان والعراق ولكنه يرفع حجمها في سوريا وأوروبا الشرقية.
وانطلاقا من تصريحات أعضائها الجدد ستصعد الإدارة الأميركية الجديدة المواجهة مع روسيا بشدة. على سبيل المثال، إذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد اعتزم تقليص عدد القوات الأميركية إلى الحد الأدنى في سوريا، فإن الإدارة الجديدة ستضخم من حجم القوات هناك تدريجيا. وبحسب ما أوردته قناة سوريا ، قامت الولايات المتحدة مؤخراً بنقل 200 من جنودها من العراق إلى شمال شرقي سوريا. وانتشرت في منطقة حقول النفط والغاز في محافظة دير الزور التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المعارضة للحكومة السورية بدعم أميركي. وقال لويد أوستن، متحدثًاً عن خططه كرئيس للبنتاغون ، إنه "سوف يراجع مسألة الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط للتأكد من أن هذا الوجود متوازن بشكل صحيح لمواجهة مجموعة واسعة من التحديات في المنطقة. بما في ذلك التحديات من الصين وروسيا ".
وتحدثت موسكو وبكين ودمشق مراراً عن معارضتها لمرابطة القوات الأميركية في سوريا. لكن حتى الآن لم يكن من الممكن ترحيلها. وحسب المراقبين في موسكو لن يؤدي دعم إدارة بايدن للتشكيلات المسلحة المناوئة للنظام السوري، إلا إلى تفاقم التناقضات، وسيتطلب من روسيا تعزيز قدراتها العسكرية لدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
لا شك أن الإدارة الجديدة في واشنطن ستجري بعض التعديلات على سياسة وستراتيجية الولايات المتحدة تجاه مناطق مختلفة من العالم. وتتطلع روسيا ، إلى تعامل إدارة بايدن بمرونة اكثر مع الملف الإيراني، واعتماد نهج أكثر توازناً تجاه التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. وهناك توقعات بأن الرئيس الجديد سيحاول بطريقة أو بأخرى مراجعة الكثير من مبادرات سلفه تجاه إسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية في القدس، ودعم ضم الجولان السورية المحتلة لإسرائيل، وكذلك البرنامج الاستيطاني واسع النطاق في الضفة الغربية. وفيما يتعلق بإيران، من المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة (بشرط أن تلتزم طهران أيضًا بهذا الاتفاق) وإجراء حوار ثنائي مع إيران حول القضايا الإقليمية. وتنتظر روسيا أن الإدارة الأميركية ستواصل سياسة فرض العقوبات عليها،
واستقبلت موسكو بالترحيب إعلان إدارة بايدن عن نيتها تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الستراتيجية النووية، التي لم تكن إدارة ترامب متحمسة لها. ومن المؤكد أن موسكو سترحب بعودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أو عودة واشنطن إلى نهج متعدد الأطراف لعملية السلام في الشرق الأوسط. وعلى عكس بعض زملائه في إدارة باراك أوباما، كان جو بايدن دائماً متشككاً بشأن التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج. وإعترض بشدة على استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية الحرب الأهلية الليبية في عام 2011.
ولكن موسكو تتوجس من توسيع الولايات المتحدة نفوذها في محيط الاتحاد السوفيتي السابق، الذي أعلنت موسكو مراراً أنه منطقة من مصالحها الحيوية. وفقًاً لتصريحات وزير الخارجية الجديد توني بلينكين ، ستتخذ الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو خطوات أكثر نشاطًا لاحتواء روسيا. وهناك رأي مفاده أن حلف شمال الأطلسي يزيل العقبات القائمة التي تعرقل مواصلة توسع الناتو بضم دول ما بعد الاتحاد السوفيتي . وألمح وزير الخارجية الأميركية الجديد إلى أن واشنطن "لا تعارض" مراجعة "معايير" انضمام دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى الناتو. ويقولون إن هذا جانب مهم من سياسة مواجهة موسكو. ورأى أن "انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف لن يؤدي إلى حرب مع روسيا".
ويزعم وزير الدفاع الجديد لويد أوستن أن الاتحاد الروسي، الذي ينشط في البحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط ، يحاول زعزعة استقرار أوكرانيا وجورجيا ، فضلاً عن تحدي عمليات الولايات المتحدة وحلفائها. ويعتقد أوستن أن القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي هناك ستكون "عاملاُ رئيساً في ردع العدوان الروسي".
ثمة خط منفصل في ستراتيجية واشنطن الجديدة يتمثل في مساعدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي. وهذا تجلى بدعم واشنطن وأوروبا لأوكرانيا على كافة الأصعدة. كما دعا أوستن إلى زيادة المساعدة العسكرية لقوات الناتو في أوروبا: "من الضروري احتواء روسيا ، نحن ، مع حلفائنا، نؤيد طمأنة القوات التقليدية والنووية لتوفير الردع الأكثر فعالية للعدوان الروسي".
ولم يتحدث أوستن عن "القوى النووية" بالصدفة. بالإضافة إلى الإمكانات العسكرية الذرية للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى ، تمتلك قوات الناتو عدداً كبيراً من الأسلحة النووية التكتيكية التي نشرها البنتاغون في أوروبا. وربما لا يمانع في تحديد موقعه في الجزء الشرقي من أوروبا - في دول البلطيق وبولندا. وكانت السفيرة الأميركية لدى وارسو جورجيت موسباخر قد اعترفت في ربيع عام 2020 ، بأنه يمكن إعادة نشر الترسانة النووية الأميركية من ألمانيا إلى بولندا. وأدلت بمثل هذا البيان على خلفية نقاش سياسي في ألمانيا حول صوابيّة نشر أسلحة نووية في جمهورية ألمانيا الاتحادية. في الهياكل الأميركية ، ومع وصول فريق بايدن ، تعززت فكرة نقل الأسلحة النووية التكتيكية التي نشرها البنتاغون بالقرب من حدود الاتحاد الروسي ، كما قال أوستن. قبل أيام ، قال إنه يدعم أيضاً تعزيز "الثلاثي النووي" في الولايات المتحدة ، وكذلك مكونات مثل هذه الأسلحة في أوروبا. هذا ، وفقًاً لأوستن، سيصبح عاملاً قوياً في المباراة ضد روسيا. وقال الخبير العسكري فلاديمير بوبوف. " إذا قررت إدارة بايدن نقل تلك الأسلحة، فسيتم إثارة موجة جديدة من سباق التسلح. ويمكن للاتحاد الروسي، ردًا على التهديدات الجديدة من الناتو ، نشر صواريخ ذات مرابطة أرضية متوسطة وقصيرة المدى في غربي البلاد قادرة على حمل رؤوس نووية، ولن يؤدي هذا التطور إلا إلى اشتداد التوتر الدولي ، فإن مثل هذه الأعمال لن تؤدي إلى أي شيء إيجابي".