متابعة المدى
قال عدي مانع إنّ فكرة فيلمه (وراء الباب) فلسفية، ترتكز على "الصراع والمشاكل التي يعانيها الإنسان في رحلة الحياة والبحث عن الذات والحقيقة، خاصة عندما تتّخذ هذه الأخيرة (الحقيقة) وجوهاً عدّة لا يُمكن تفريقها عن الكوابيس والخيال".
وأشار الى أنّ "وراء الباب" لا يزال في مرحلة عمليات الإنتاج النهائية، فالتأخّر في إنهائه متأتٍ من "انتشار كورونا، وصعوبة التنقل"، مُضيفاً: "الآن، الفيلم في مرحلة ميكساج الصوت، بإشراف الموسيقيّ تراث نمير، في شركة FORCAST"، متمنّياً الانتهاء من العمل خلال الأيامٍ القليلة المقبلة.
هذا وقد انتهى المخرج من تصويره والذي تدور أحداثه في سامسون، وهي إحدى المدن التركية الواقعة على البحر الأسود، والتي تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين من دول عدّة. ويروي الفيلم حكاية شخصٍ هاربٍ من العراق بسبب ماضيه الأسود، وما اقترفه من جرائم حرب، إذْ يحاول الاختباء منها بالعيش بعيداً عن ماضيه، من دون أنْ يتمكّن من الخلاص من مشاكل كثيرة تحاصره.
عن تمويل الإنتاج، قال مانع: "لم يكن هناك تمويل فعلي، فاعتمدتُ على التمويل الذاتي". لكنّه حصل على مساهمة للإنتاج من Qaf Media Lab، ورعاية من "شركة ألماسة" في تركيا، ودعم من "بريمالاك العراق". بالإضافة إلى مساهمات ودعم معنوي من جهات أخرى.
هكذا، أصبح الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين تركيا والعراق. أضاف: "هذا يدفعني إلى التساؤل عن سبب عدم وجود مؤسّسة عراقية، على غرار المؤسّسات السينمائية العربية، التي تقدّم فرصاً لتطوير الأعمال ودعمها، ولتسهيل الدعم من شركات أجنبية، كما هو الحال في قطر والأردن. دول كهذه تدعم أبناءها في صناعة السينما. صراحةً، لا أزال أفاجأ عندما يتحدّث البعض عن عودة الصالات السينمائية القديمة، وإحياء المُتهالِك منها، ويربط صناعة السينما بأماكن عرضها، بنظرية أسطورية، كعودة (سينما روكسي) و(الرافدين) و(البيضاء) و(السندباد). هذا خطأ فادح. السينما ترتبط بصناعة الترفيه، وتحتاج دائماً إلى مواقع جديدة لجذب الجمهور وترفيهه".
أشار عدي مانع إلى أنّ مشكلة الفيلم العراقي تكمن في صانعيه أنفسهم، فهم "يبحثون دائماً عن دعمٍ لإنتاج أفلامهم، ويعتقدون أنّ الإنتاج يصنع أفلاماً ناجحة. في مشروع (بغداد عاصمة الثقافة العربية)، أنتجت عشرات الأفلام بميزانيات كبيرة، نسبةً إلى مستوى سوق الإنتاج العراقي، باستثناء أفلام لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، تمكّنت من المُشاركة في مهرجانات خارج العراق، لأنّ للمؤسّسة همّاً واحداً: صناعة أفلامٍ فقط، لا صناعة أفلامٍ ناجحة. الفيلم الناجح يصنعه صنّاع فنّانون مُغامرون، لا من يقف أمام أبواب المؤسّسات لاستجداء الدعم".
واجه "وراء الباب" صعوباتٍ ومشاكل، يكاد لا يخلو منها أيّ فيلمٍ سينمائيّ روائي طويل ومستقلّ في العراق
و أهم هذه الصعوبات هي خلق بيئة فيلم تناسب مع المساحة الانتاجية و الفنية، كتبت السيناريو بعقلية المخرج و المنتج، بحيث يكون الفيلم متناسباً مع الميزانية المقترحة للفيلم، من ناحية المعدات و عدد مواقع التصوير و الفنيين و الممثلين، كل كلمة في السيناريو كنت أحاسب نفسي عليها، فكل قطعة اكسسوار أو ممثل أو حركة أو حوار كنت آخذه بعين الإنتاج، حاولت قدر الإمكان أن أجعل رأسمال الفيلم الحقيقي هو الفريق و ليس الميزانية، أفلام السينما المستقلة يصنعها الفريق المؤمن بالفيلم و هذا ما تعلمته من خلال تجاربي في صناعة السينما سواء في العراق أو في تركيا، الفريق الجيد و الحريص على الفيلم لا يقدر بثمن، حصلت على فريق رائع من الشباب العراقيين و الأتراك، تمكنّا من التخطيط الجيد للفيلم و انطلقنا بعد إلتحاق مدير التصوير الأستاذ عمار جمال من بغداد و الفنان جمال أمين من لندن ليلعب دور الشخصية الرئيسة في الفيلم، والتي أضافت للفيلم الكثير، الصعوبات في التصوير هي مصدر قلق لكل مخرج و لكن عمار جمال كان يحل المشاكل بطريقة سحرية و خاصة مشكلة الإضاءة و التصوير في مكان ضيق تقريباً، واستطاع تحويل المعوقات الى حالة فنية سينماتوغرافية رائعة، عكست حالة عدم اتساع المكان لشخصيات الفيلم المتصارعة فيما بينها.
وأشار إلى الدور الجيّد لفريقه، الحريص على المشروع، قائلاً: "هذا لا يُقدَّر بثمن. الفريق رائع، وجود مدير التصوير عمار جمال هو إضافة مهمة للفيلم و للكادر، عمار جمال بخبرته الكبيرة و تواضعه في العمل مع الشباب، أعطى دافعاً لكل فني و ممثل أن يقدم أفضل ما عنده لذلك كان الجميع يفكر بجودة العمل و بما سيظهر على الشاشة، عمار جمال يفهم اللغة السينمائية و يحترفها عملياً، و له القدرة على ترجمتها للفنيين الشباب، أصبح موقع الفيلم أشبه بورشة تدريب عن خواص الصورة السينمائية في الفيلم، مثل اللون و التكوين و الكتلة الحركة الخ، فكون الفيلم ينتمي لأفلام المكان الواحد، لأن أحداث الفيلم تدور في شقة واحدة، و هي مجازفة و لكن مع عمار جمال تحولت المجازفة الى تحدِ جميل و ممتع.
و عمار جمال هو أستاذي و صديقي و دائماً نتحدث عن السينما و الأفلام و مشاكل السينما في العراق بشكل متواصل، لذلك طلبت منه قراءة المعالجة الفنية لفيلم " وراء الباب" و كانت المعالجة حوالي 20 صفحة فقط، أعجبته الحبكة و الشخصيات و الرؤية الدرامية للفيلم، و طلب مني إرسال السيناريو، و بدأ يسألني عن الفيلم و يقدم لي النصائح، بعد ذلك اتفقنا على العمل معاً و كانت النتائج رائعة.
وعن سبب اختياره تركيا كمكان للتصوير، قال عدي مانع: "في سامسون جاليةٌ عراقية، يتشكّل معظمها من لاجئين في تركيا. كما توجد شركات إنتاج وأخرى مُساهمة. طبيعتها الجغرافية تُناسب الإنتاج السينمائي".
وفي سؤال له عن المشاكل التي يعاني منها الفيلم العراقي:
مشكلة الفيلم العراقي هي صانعي الفيلم انفسهم، دائما ما تجدهم يبحثون عن الدعم لانتاج افلامهم، و يعتقدون ان الدعم المالي هو من يصنع افلام ناجحة، و في مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، انتج العشرات من الافلام و بميزانيات كبيرة نسبة الى مستوى سوق الانتاج العراقي، و باستثناء افلام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تمكنت من المشاركة في مهرجانات خارج العراق، السبب هو لأن المؤسسة همها صناعة أفلام فقط و ليس صناعة افلام ناجحة، الفيلم الناجح يصنعه صناع الأفلام الفنانون المغامرون و ليس من يقف أمام أبواب المؤسسات لاستجداء الدعم.
إذا أردت أن تصنع فيلماً لا تنتظر من الجهات الحكومية تمويل فيلمك و لا تنتظر مؤسسات دعم الأفلام لأنها سوف تجعلك تنتظر و تنتظر، نعم هناك مؤسسات عربية وعالمية تمنح الدعم لصناع الأفلام، و لكن كم صانع أفلام يقدم على ذات المنحة التمويلية، و هذا ما يسبب الحرج لتلك المؤسسات أيضاً التي بدأ البعض يحاربها و يشكك بنزاهتها، و لكن لماذا لا توجد مؤسسة عراقية على غرار المؤسسات السينمائية العربية التي تقدم فرصة تطوير الأعمال و دعمها و تسهيل فرص الدعم من الشركات الأجنبية كما هو الحال في دولة قطر، أو المملكة الأردنية أو المؤسسات الإماراتية. هذه الدول تساهم بدعم أبنائها في صناعة السينما، بصراحة أنا لازلت أتفاجأ عندما يتحدث البعض عن عودة السينمات القديمة و إحياء دور السينما القديمة و المتهالكة و يربط صناعة السينما بأماكن عرضها بنظرية أسطورية لعودة سينما روكسي و الرافدين، البيضاء، و السندباد، هذا خطأ فادح فالسينما ترتبط بصناعة الترفيه فهي دوماً تحتاج الى مواقع جذب جديدة لترفيه الجمهور، نعم نحتاج الى دار عرض سينمائي ببناية منفصلة و لكن بمواصفات دور العرض الحديثة المنتشرة حول العالم. السينما ترتبط بالاستثمار و مدى إمكانية وجود تأمين لاستثمار رأس المال في قطاع الترفيه وهو قطاع حساس جداً، و البيئة العراقية تعاني من صراعات دينية و اجتماعية و سياسية معقدة.
تخرّج مانع من "معهد الفنون الجميلة" عام 2009، ومن "معهد غوته" الألماني ـ قسم صناعة الفيلم الوثائقي عام 2011. عمل مديراً فنّياً لـ"ابن بابل" (2009)، لمحمد الدراجي، ومساعداً لمحمد شكري جميل في "المسرّات والأوجاع" (2013)، ومونتيراً لـ"قصص العابرين" (2017)، لقتيبة الجنابي.