علي حسين
عندما تجد كاتباً مثل جنابي يتحدث عن بلاد مثل تايلند، فعليك أن تتيقّن أنه محتار ماذا يكتب وهو يتفرّج على قوة المؤسسات الأمنية لبلاد الرافدين في فرض شعارها "السلاح بيد الدولة" ، والذي أصبح أقصى ما تتمناه الرئاسات الثلاث، وأقصى ما نُفرح به هذا الشعب الذي يراد منه يومياً أن يبقى ساهراً ليعرف نتيجة مباريات دوري "السلاح بيد الدولة".
منذ سنوات وبدافع الحسد فقط لاغير، أتابع أخبار سنغافورة وماليزيا وفيتنام ورواندا، وفي كل مرة أسأل نفسي: كيف استطاعت هذه البلدان أن تحقق الرفاهية لشعوبها؟، وأن تجعل المواطن ينام مطمئناً من أن لا صاروخ "يصحيه " في منتصف الليل؟، وكنت أعجب كلما أسمع من أحد أن بلاداً مثل تايلند، تحولت من العوز إلى واحدة من أسرع اقتصاديات آسيا نمواً.. فعلى الرغم من أن هذه البلاد تفتقرإلى الموارد الطبيعية، إلا أن دخل الفرد فيها يدخل كل عام في منافسة على المراكز الأولى مع سنغافورة وبروناي وماليزيا .
استطاعت تايلند أن تفعل في نصف قرن، ما عجزت عن فعله أنظمة ثورية ترفع شعار نموت نموت ويحيا القائد، فقد عملت على اجتذاب رؤوس الأموال من كل بقاع الأرض وشجعت على الزراعة والصناعة، وأصبحت السياحة فيها في المراكز الأولى عالمياً، ولا أريد أن أخبركم أن تايلند يدخلها سنوياً أكثر من 40 مليون سائح، وقبل أن يكشر فايروس كورونا عن أنيابه حصلت العاصمة بانكوك على لقب المدينة الأكثر استقبالاً للسياح ، تلتها باريس ولندن، ورغم كل هذا فأن تايلند خرجت منذ أشهر في احتجاجات ضخمة تطالب بتشكيل حكومة جديدة، ودستور جديد، وإصلاح النظام الملكي، الذي يرون أنه سبب المشكلات السياسية في البلاد.
وربما يجد قارئ آخر في حديثي عن تظاهرات تايلند نوعاً من البطر، لأن في هذه البلاد أصرت أحزاب السلطة على أن تؤكد للعالم بأن الذي سرق البلاد وخربها وأشاع الطائفية والمحاصصة وباع المناصب إنما هم العراقيون المعتصمون ضدها في ساحات الاحتجاج، وأن تحرير ساحة التحرير بات مقدماً على تحرير العراق من الفساد والانتهازية.. في واحدة من أجمل مشاهد تظاهرات تايلند مشهد استخدام المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية " البطة " القابلة للنفخ لحماية أنفسهم من خراطيم المياه التي لجأت إليها الشرطة الشهر الفائت لتفريقهم. وقد أصبحت البطة الصفراء رمزاً للاحتجاجات ، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها البط الأصفر رمزاً للتحدي والاحتجاج.
بمعايير الكتابة المسؤولة، من المفترض أن تجد "جنابي " يتحدث عن "بطة" تشغلك ، لكن بحسابات الواقع فأنني رجل مسالم لا احب اكل البط ، ولا اعرف سوى مسرحية أبسن " البطة البرية " ، وكنت في صباي أردد حزورات من عينة "بطـتكم بطت بطـن بطتـنا " .