لطفية الدليمي
أتيح لي في الأسابيع الماضية قراءة كتاب الروائي ستيفن كينغ ، الأكثر مبيعاً في العالم تبعاً للتوصيفات السائدة . الكتاب بعنوان ( عن الكتابة : مذكرات الحرفة On Writing : A Memoir of the Craft ) ، وقد صدر بطبعات كثيرة .
حظيت بقراءة النسخة المنشورة عام 2012 التي أضاف لها كينغ فصلاً آخر فاختلفت عن النسخ السابقة فضلاً عن إلحاق نصوص له في هيئتها الخام مع كلّ التعديلات التي أجراها عليها في مسعى استعراضي واضح . لابأس من الإشارة إلى أن الكتاب مترجم إلى العربية ، ويمكن للقارئ الرجوع إليه إذا شاء .
سأعترف أنني قرأت الكتاب ليس بدافع الشغف بكتابات الرجل ؛ فأنا لاأحبُّ أعماله المكرسة للعنف والجريمة. ماأردته هو محاولة الإجابة على سؤال طالما شغلني : ماالميزات العالية والمتفرّدة التي جعلت كينغ أحد الروائيين المليارديرات الذي تُباع كتبه بالملايين وتُحوّلُ إلى أعمال سينمائية تأتي له بملايين إضافية ؟
قرأتُ فيما سبق بعضاً من أعمال كينغ ، وشاهدت عدداً من الأفلام التي وظّفت رواياته ؛ لكنّ ماخرجتُ به من قراءة مذكّراته عن الكتابة هو أنّ الرجل ظاهرةٌ إستعراضية لاتعني له الكتابة سوى أن تكتب ماتظنّه كتابة جيّدة ومن ثمّ تسوّق ماتكتب ، وينتهي الأمر بأن يتضخّم رصيدك المالي . تساءلت وأنا أقرأ هذه المذكرات : ماذا قرأ الرجل ؟ هو لايتحدث أبداً عن قراءاته ؛ بل يستعيض عنها برواية مشاهد من طفولته وحياته المدرسية عامدا أن تكون نسخة مقتطعة من الحياة الأمريكية الحافلة بألفاظ مجتمع القاع وبذاءاته.
يريد ستيفن كينغ تسويق نفسه ككاتب منضبط يعشق الكتابة لذاتها؛ ومن أجل ذلك هو يكتب ثلاثة آلاف كلمة يومياً . هل تصدّقون أنه يتكلّم عن هذا الأمر كأي سمسار عقارات أو لحوم أو بورصة : 3000 كلمة × 30 يوماً = 90000 كلمة ؛ أي كتاب حجمه لايقلّ عن 90 ألف كلمة في الشهر ! أي 12 كتاباً ضخماً كل سنة. هذا ماحصل بالفعل مع كينغ، وبمراجعة قائمة رواياته المنشورة وقصصه التي تكاد تبلغ المائة نتأكّد من ضخامة أعدادها. لاأحد من النقاد وصفه بأنه (كاتبٌ بلا معدة) يطحنُ الكلمات طحناً ليجعلها كتباً منشورة؛ كما فعلوا مع كولن ويلسون إذ مزقوا جثته واتهموه بشتى الأوصاف المسيئة، وهو من ألّفَ كتباً أفضل كثيرا مما فعل ستيفن كينغ، ولاوجه للمقارنة بينهما في أي أمر. كولن ويلسون لم يكتب روايات حسب؛ بل كتب في جوانب فلسفية ومعرفية كثيرة، وهذا مايفتقده كينغ بالتأكيد، وأحسبُ أنه لايستطيعه حتى لو شاء ذلك؛ لكن الدنيا حظوظ - كما يقولون - مع أنها لاتخلو من توجّهات مقصودة تعلي شأن فلان وتغيّب سواه في طيّات النسيان .
فلنقرأ بعض وصفات النجاح في قائمة الملاحظات (الذهبية!) التي يقدّمها ( المعلّم ) كينغ وصفاتٍ جاهزة مختبرة لكلّ كتابة جيّدة : الطريق إلى جهنّم معبّد بالصفات، لاتسرد الأحداث بل صوّرها، إروِ الحاضر بدلاً من الماضي، نجاحُ القصة ليس بالأفكار المبدعة، إتقن فن الوصف ،،، .
ستيفن كينغ سمسارٌ روائي، يكتب روايات رعب وجريمة بطريقة فنتازية من النوع الذي يعرفُ تماماً ملاءمته لمواصفات السينما الهوليوودية، وهو يركّز على الكتابة المشهدية التي تجعل تحويل النص الروائي إلى نص سينمائي عملية شبه جاهزة؛ لكن ماذا بشأن القيمة الفكرية والفلسفية؟ هذه أمور لاشأن له بها.
لو أتيحت لي فرصة سؤال ستيفن كينغ سؤالاً واحداً فسيكون : متى تقرأ سيد كينغ، وماذا تقرأ ؟