TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > البابا واحتجاجات تشرين!

البابا واحتجاجات تشرين!

نشر في: 16 مارس, 2021: 10:07 م

د. مهند البراك

إثر تراكم أحداث متنوعة صعدت أور الى لائحة التراث العالمي أواخر القرن الماضي، الأمر الذي ادىّ بالبابا الفقيد يوحنا بولس الثاني أن يعلن عن برنامج لزيارة العراق و زيارة أور و ترسيمها كمنبع الديانات الإبراهيمية في العالم عام 2000، داعياً الى حوار الديانات فيها . . الاّ أن ظروف الحصار الدولي على البلاد و منع السفر اليها أدّت الى تأجيل الزيارة و الى إلغائها رغم بقائها على جدول النشاط البابوي منذ ذاك.

و الآن و منذ أن أشارت وكالات الأنباء و الصحف العالمية عن عزم البابا فرانسيس زيارة أور و إنجاز البرنامج البابوي بلقاء الديانات الإبراهيمية، الذي تطور الى خطوة عالمية كبرى باللقاء مع المرجع الديني الأعلى لشيعة العالم الإسلامي السيد علي السيستاني الذي شكّل نقلة كبيرة و على مستوى أعلى على طريق لقاء الأديان.

و رغم الصعوبات الكبيرة التي تمرّ بها البلاد أمنياً إثر تصاعد أعمال المنظمات الإرهابية من داعش و الى مجاميع الكاتيوشا و الميليشيات، إضافة الى جائحة كورونا العالمية، الاّ أن البابا فرانسيس الذي عرف عنه نشاطه المثابر لتجديد برامج و توجهات بابوية الديانة المسيحية الكاثوليكية لصالح مكافحة الفساد و السلوكيات اللاأخلاقية، و لصالح الانحياز أكثر للطبقات و الفئات الفقيرة و المحرومة و أعماله لصالح ضحايا الحروب و اللاجئين بسببها، كما برز دوره قبل سنوات في انقاذهم عبر البحر الأبيض المتوسط حين قُطعت الطرق بالعنف . .

و أمام إصراره على زيارة العراق الذي دمّرته الحروب و النزاعات الدينية و الطائفية التي تسببت بهروب أكثر من مليون من السريان المسيحيين العراقيين و خساراتهم أموالهم و أملاكهم، و تسببت بالسبي الظالم الوحشي لأيزيديي العراق و نسائهم على يد عصابات داعش الإجرامية و غيرها الكثير، حتى صارت أخبار البلاد لاتتعدى أعمال الإرهاب و ضحاياه و صراعات كتله الحاكمة من أجل المصالح الأنانية، إضافة الى أنباء تصديّ شباب اكتوبر السلميين و مواجهاتهم البطولية لأنواع الميليشيات، من أجل حقّهم بوطن آمن و العيش فيه مكفولي الحقوق الأساسية كإنسان، في العمل و السكن و الصحة و التعليم . .

زار البابا فرانسيس العراق بصفته ( حاجاً طالباً الغفران ) على حد تعبيره، لإبرازه الأهمية الكبرى للعراق و مكوناته في الحضارة العالمية الى اليوم، في زيارة شكّلت دفعة كبيرة للروح المعنوية للشعب العراقي بكل مكوّناته و سنداً للإخوة المسيحيين و للديانات الثانية، دفعة للروح المعنوية للشعب و هو يعاني من السلاح المنفلت و الفساد و يحلم بالتعايش معاً و السلام و بأهمية التسامح . .

زيارة صعّدت الفرحة في قلوب و عقول العراقيين المتعطشين لها بزيارة شخصية عالمية يتبعها اكثر من مليار و نصف من سكان الأرض، و تتبعها و تتأثّر بها و بأحكامها و آرائها أكثر الدول تقدماً في العالم و أكبر الإتحادات الصناعية فيه . . شخصية مدنيّة كبرى تدعو للسلام و التسامح و الحرية و حقوق البشر . . توقد الشعور بأن العالم لم ينسانا، و أبرزت نضال شباب العراق و مايجري فيه على الشاشات و المواقع الدولية المتنوعة . .

و قد أدان البابا في خطبه و أحاديثه التي مسّت مشاعر العراقيين بأطيافهم و كأنه من أهل العراق، أدان بشدة استخدام الأديان لممارسة العنف، و أدان السلاح المنفلت و الفساد و الى وقف استخدام السلاح في حل الأزمات، و عبّر بثقة عن أن العراق الذي عاش التنوع الديني و الثقافي لآلاف السنين، يشكّل أساساً لإمكانية عودة التعايش فيه بشكل اعتيادي بشرط حماية قانون نافذ قابل للتطبيق بقوة الدولة إنْ أُحكم بناؤها، و حمّل مسؤولي دولته في كل المواقع تلك المسؤولية .

و فيما يرى أوسع المراقبين أن الزيارة أظهرت لأول مرة أور و أهميتها التاريخية و الحضارية للعالم و بكونها تشكّل مركزاً للحج لملايين الحجاج من كل الديانات الإبراهيمية، التي ستشكّل مفصلاً فاعلاً في دعم اقتصاد البلد . . فإن كثيرين يرون بأن دعوات البابا للإصلاح هي عين مطالبات ثوار تشرين السلميين التي صارت حتى الكتل الحاكمة ترفعها في النهار لتمزقها و تلغيها في الليل، الاّ أن الزيارة و بعيداً عن حسابات أمور كثيرة عرّت واقع الحكم في البلاد أكثر ، و تشكّل رافعة جديدة كبيرة للضغط الأممي السلمي على حكّامه الفاسدين، و مناخاً أوسع لتصعيد النضالات من أجل الإصلاح الحقيقي !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram