علي حسين
يحاول عدد ممن يحملون صفة " محلل سياسي " ، تصوير مشكلة العراق على أنها خلاف بين طوائف الشعب، وأنها معركة بين معسكر الشيعة من جانب ومعسكر السُّنة من جانب آخر، وهي شطارة استطاع مروجوها الحصول على المنافع والمناصب والامتيازات، وأن تنتج لنا في النهاية برلماناً طائفياً وحكومة محاصصة فاشلة .
يوم أرسل الأمير فيصل، الذي أصبح في ما بعد ملكاً على العراق، رسالته الشهيرة إلى عدد من الشخصيات السياسية العراقية يسألهم فيها: ما نوع الدولة التي يرغب العراقيون بإقامتها؟ كانت الاجابة واحدة اتفق عليها معظم الساسة آنذاك وهو أن الجميع متفقون على إقامة دولة مدنية قوامها المساواة بين جميع الطوائف.
كان هذا سنة 1917، وكان العراق آنذاك نموذجاً للدولة المقبلة على الحرية، نوابه ووزراؤه من نخبة الناس، عاصمته تزدهر فيها الثقافات والتجارة والمدارس وتبنى فيه الجامعات، كان الرصافي يوجه خطبته الشهيرة لأول مجلس نيابي يؤسس في العراق قائلاً: إن الملك لم يخلق لتكون البلاد له، بل هو نصب ليكون خادماً للبلاد والعباد.
أسرد هذه الشواهد لأثبت أن الحكاية في العراق ليست صراعاً مذهبياً مثلما يحاول البعض تصويرها للعالم، قبل يومين ضربت كفاً بكف وأنا أشاهد "محلل سياسي" يكيل التهم إلى جهاز أمني سيادي واعتي به " المخابرات " ويتهمه بالطائفية، فيما شاهدنا قبل اشهر كيف سخر البعض من جهاز مكافحة الارهاب واعتبره ذليلا للامريكان وللأسف تتكرر في برامج الفضائيات ظاهرة لا وجود لها إلا في هذه البلاد المغرقة في الخطابات والشعارات، تتلخص في محاولة البعض أن يطمس دور الأجهزة الأمنية في استقرار البلاد وفي معارك التحرير، فيما أصرت بعض الفضائيات على أن تجعل من الأجهزة الأمنية شماعة تعلق عليها أخطاء الساسة.
عندما كنت في هذا المكان انتقد أداء الأجهزة الأمنية واطالب بالحفاظ على قيمة الأمنية، فهذا لأنني مثل ملايين العراقيين نريد اجهزة امنية وطنية.
لقد كانت الجريمة الأكبر التي ارتكبها بعض المسؤولين هي توريط الاجهزة الأمنية في لعبة السياسة واستخدامها لصالحهم ، تحت شعارات الحفاظ على أمن الوطن وفرض هيبة القانون واقامة علاقات متوازنة مع جميع بلدان العالم ، فلا يمكن ان نفرح عندما يلتقي مسؤول امني بوفد ايراني ، ونحزن عندما يلتقي هذا المسؤول نفسه بوفد من دولة عربية مثل الامارات او مصر ..علينا ان ندرك أن اقامة علاقات مع محيطنا الاقليمي والعربي تصب في مصلحة العراق .. عندما هدمت داعش تراث الموصل ، سارعت دولة الامارات لاعادة بناء جامع النوري ومنارة الحدباء وكنيسة الطاهرة التي صلى بها بابا الفاتيكان ، في مبادرة أمل في الشراكة والعمل على احياء روح التسامح بين جميع ابناء المنطقة .