طالب عبد العزيز
أنت تتقن استعمال الوقت، وتحسن ترتيب أرائك الانتظارات، تنهض في الصباحات، تصنع من أنسك في أنهارك ونخلك قِبلةً، تتوجه فيها نحو الهك، ذاك الذي تعرفه ويعرفك، وسواء امنحته ركعتي الفجر أم أهملتها، ستجده بين عينيك، وقتما تشاء.
كل ما حولك هادئ - الصمتُ باسط يديه في الوصيد- والعصفور ينقر ما تبقّى من الضوء المهمل على طاولةٍ في الحديقة، والمدُّ الثاني أخذ عن الفجر الأول ضالته ورقاً يابساً وخشخشات. زروقٌ من قصب وحلفاء يدسُّ رأسه في قيعة هادئة أخرى، وهذا شيخ عارف بالفصول، هو مما تشير الانهارُ عليك به، يومئُ لك، يسألك ما إذا كنت فرغت من رِيِّ قلبِ من أحببت، ما إذا كانت أصابعُك ما زالت تحصي البلابل في تُبّانها الصغير.
في الفسحة المرشوشة بالظلال والنيلوفر هناك، تحت أجمة الدُّفلى، أخذتَ بعضاً منك، ومنها بعضاً كثيراً، كان ثوبها يتمزّقُ شيئاً فشيئاً، في الممشى الضيق، الورد الجهنمي ذو الشوك يُمسك به، وساكنةً ترقب الاوركيدا انتقال أقدامكما، هذا النأيُ يليق باثنين، هما مما تنفسَ الفجرُ به، ومما تقطعه الطبيعة للمترفقين بها، أنت لم تحفظ من حديث البارحة إلا ما كان شرشفاً أبيضَ على سرير من جريد ، وهي لا تتذكر من ليلتها إلا ما أنت تسترجعه في لعبة الامس والغد، وقد استحسنتما لغة النسيان والتذكر، وأفضت الفسحةُ الى مشتجر بمقعدين، أخذتَ يدَها الى حيث تكون، وأخذتْ يدك الى حيث ستظل واقفاً، محتسباً، وفي قبلة واحدةٍ أكملتما دوران الارض.
لم تتبينا شكل ارتطام اللدن بالصُّلب من اللحم والثياب، ولم تسمعا رطانة الاساور وهي تتفلت من أجراس الوقت، لكنَّ الشمس تسللت من قميص يتدلى، صارت تقرأ في تفاسير الجسد الملقى عارياً على الارض، ساعتها جيء بسعف وقصب كثير، وترفقت بهائمُ ترعى، وتشقق جيب في صدر المعنى عن مضمر كان، هي بمائها المنهك، يوشك يجفُّ، وأنت بما يتعرجن منك ويذوي، وقد بلغت الريحُ مضطربها، لا أنت آخذٌ بناصية ما أنت فيه الى ما ستؤول اليه، ولا هي التي مزق الورد الجهنمي ثوبها، مدركة كنه ما يتكور ويتعاظم، فقد اتت شآبيب العناق على الجسدين، ومرّغت القبلُ أنفَ الصبر، حتى إذا انتفع بالوقتِ جرسٌ، وأرَّ في هلال المئذنة ديكٌ، أخذتما ما ظلَّ من الآس والطلع وبذور الكتان والأجاص الى مستحمٍ بدكةٍ واحدةٍ، تتبادلان الجلوس عليها، وقد تدفق حولكما ماء كثير هناك.
كلُّ وصل جناحاه الهواءُ لا يطلع ثمراً، وكلُّ ملمسٍ في فراغ الاصابع لحمٌ لا يُستشعر، وكل ما يلوح من نافذة التذكرهو محاولة في اغفال ما نحن عليه، البعد هو البعد، والنأي هو النأي، والقطيعة تعني القطيعة.. فلا يأتدمُ بماءٍ جائعٌ، ولا ينتفعُ بحجرٍ مُضامٌ .. وما في اللغة أبعد من هذا، إياكِ اقصدُ وبكِ أستكين.