علي حسين
ذات يوم سيجلس أحد أشهر أدباء النمسا "ستيفان تسفايج" يتأمل ما يجري في العالم، ويسأل نفسه، ترى ماذا يخبئ لنا المستقبل؟. كان ذلك نهاية العام 1918 والحرب العالمية تضع أوزارها بعد أن حصدت أرواح عشرة ملايين إنسان.
بعد عشرين عاماً يعود ليكتب: "الاعتبارات السياسية دائماً ما تنتصر على الأخلاق"، ويروي في رسالة يبعثها إلى صديقه الروائي الألماني " توماس مان " كيف أنه لاحظ أن مؤسسات الدولة تتحول إلى حواضن للتخلف، حين يتولى أمورها أناس يرفعون شعارات وحناجر الظلام.. حين صدر كتاب تسفايج "عنف الدكتاتورية" عام 1936 كان هتلر في قمة صعوده، ولكن هذا لم يمنع صاحب "بناة العالم" من أن يذكّر البشرية بأنّ السياسي الفاشل لا ينتج سوى دولة "هواة".
يقدم لنا هذا المواطن النمساوي الذي قرر الانتحار لأنه أحس بأن القيم الأخلاقية والوطنية تتراجع، أفضل درس في محبة الأوطان، ويأخذنا ليقرأ على مسمعنا حكاية صعود القوى الفاشلة والظلامية كما يصفها.
أقرأُ تعليقات عدد من القراء في موقع الجريدة ومعضمها تحتار في وصف ما يجري. وإلى هؤلاء القراء، أحب أن أقول، إذا لم نكن ذاهبين إلى ، الوقوف بوجه الفشل والكذب والانتهازية وسرعة الثروات وخداع الناس والمضي في التعصب والتخلف، فماذا سوف نحقق إذن؟.
كنتُ مثل غيري كثيرين أتوقع أن السادة النواب الذين انتخبهم الشعب سيتخذون الطريق الأصلح في معالجة الخراب، ولكن يبدو أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فها هو نائب أشاهده للمرة الأولى للأسف، يحذر الأمم المتحدة من دس أنفها في الانتخابات، ويرفض سيادته أي رقابة دولية، وقبل أن يسأله المذيع، لماذا ياسيدي النائب؟، يجيب لأن الأمم المتحدة سوف تستعين بإسرائيل لمراقبة الانتخابات العراقية..وقبل ان يفوق المقدم من صدمة الجواب ، يكمل النائب ملحمته السياسية ليعلنها صراحة ان الامم المتحدة لو تدخلت سنعلنها حربا ولا اريد ان اسأل " جنابه " الحرب على من ؟ على الشعب الذي سينتخبكم.
لا مفاجأة إذن، أن نكون على قمة بؤساء العالم، وأن نحصل على مراكز متقدمة في الدولة الأكثر تخلّفاً ونهباً للثروات، إنجاز جديد يضاف إلى قائمة الإنجازات العملاقة منذ خمسة عشر عاماً. ما المفاجأة في بلد يريد له ساسته "الأشاوس" أن يستقيل من التاريخ والجغرافيا والسياسة؟
مثل ملايين العراقيين لا أملك أن أمنع أي نائب من أن يخرج على الفضائيات ليشرح نظريته السياسية ، مادامت الديمقراطية منحته هذا الحق، ولكن في معظم دول العالم نجد أن النائب يخشى التلويح بالتهديد والوعيد ، لان القانون سيكون بالمرصاد ، فما بلك بنائب يهدد الشعب .