إياد الصالحي
بإمكان أي رياضي أن يحقّق بطولة ما، إذا ما أصرَّ بإرادة تحفّزها معاناته الشديدة للثأر من ظُلم أو إهمال أو هزيمة، لكنّ ليس كُل رياضي يستطيع أن يجعل من بطولته يوماً لا يُنسى في تقويم بلاده باليوم والشهر والسنة، يُعاود الشعب استذكارها عشرات السنين، مناسبةً للتباهي ببطله، والتمنّي بتحقيق مُنجزٍ جديدٍ .. وإن طال الزمن!
ما كُتب عن الراحل بطل السباحة علاء الدين النواب الذي ودّع الحياة بتاريخ ثـرّ أمس الأول الجمعة الثاني من نيسان 2021، يعود بي الى السطور أعلاه، فكلّ مسيرة الرجل تزخر بانجازه الفريد يوم تسلّح بالجرأة عام 1958 كأول عراقي يكتب اسمه بين أبطال العالم المُحترفين ليعبر بحر المانش “الجزء الفاصل بين بريطانيا وفرنسا والرابط بين بحر الشمال بالمحيط الاطلسي، والذي يبلغ طوله 563 كم” بقي في البحر 15 ساعة و10 دقائق قاطعاً مسافة 32 كم، وعدا ذلك لم يفز بأيّ لقبٍ محلي بين 14 بطولة أواسط عقد الخمسينيات من القرن الماضي!
ظلّ النواب هاوياً حتى تفرّغ للعمل القضائي، وعُرفَ عنه من خلال شهادات زملائه بخصاله الحميدة وحالته الميسورة التي دعته لرفض تسلّم مبلغ 200 دينار مطلع عام 1960 كتعويض من الحكومة عن بدل سفره للمشاركة في عبور المانش، وهو مبلغ كبير في وقته! وأيضاً أعتذر أواخر عام 1989 عن قبول هدية رئيس اللجنة الأولمبية أسوة بروّاد حركتها المُكرّمين بما يقارب خمسة آلاف دينار لكل منهم، إلا أنّ أحد مسؤولي أمانتها العامة قال له وعلامات الحرج بدت على وجههِ (أرجوك لا تسبّب لنا مشكلة.. خُذه ويُمكنك أن توزعه على الفقراء) !
نزاهة وبطولة النواب بزهو الفرسان، قلّما شابهه البعض من روّاد الرياضة الأولمبية التي خدمها من دون أن ينتظر مكافأة أو راتباً مثلما لم يُبالِ لموقف وزارة الشباب والرياضة بعدم اعتماده رائداً ضمن قانون مُنح الرياضيين الأبطال والروّاد عام 2013، فماذا تغيّر في نفوس الرياضيين؟ لماذا لم تعد لعبة السباحة تنجب هكذا أبطال برغم عطاء نهري دجلة والفرات المارّين على طول البلاد ليل نهار؟!
أمر يثير علامات الاستغراب بشأن قلّة المواهب في اللعبة، وانشغال اتحادها الرياضي في نشاطات روتينية لتشطيب أجندته كل عام، وتسوية ميزانيته المُستلمة من الحكومة، والتي لم تَسْلَمْ هي الأخرى من التشكيك بعدم انجازها خلال السنين الماضية أو سوء إدارة المسابح ووجود شُبهات فساد كما كشفتهُ حلقات الصراع الانتخابي منذ شباط عام 2019!
خمسة عشر عاماً (2003-2018) لم يقف سبّاحاً أو سبّاحة فوق منصّات التتويج الآسيوي ولا نقول الأولمبي برغم إنفاق ما يقارب أحد عشر مليار دينار قبيل صدور القرار 140 نيسان 2019، وظلّت اللعبة تعيش على الماضي مُستذكرة إنجاز النواب وخليفته البطل عبدالرضا محيبس الحائز على الميدالية الفضية في فعّالية 100متر ظهر مسجلاً (1.03.47) دقيقة في دورة الألعاب العربية السادسة في المغرب عام 1985، بينما هناك عشرات المسابح في العاصمة بغداد والمحافظات انشغل أصحابها بتأمين معاشاتهم من مردود الاشتراك اليومي أو الشهري لآلاف السبّاحين الشباب ومجاميع العوائل، وكذلك حال موظفي الاتحاد والمدربين لا همّ لهم سوى تقاضي مرتّباتهم ولم يفكّروا بتنشيط برامج تنافسية في الاحواض أو الأنهر تستقطب الموهوبين وما أكثرهم!
نأسف لضياع أموال طائلة على لعبة تتيسّر لها ظروف صناعة الأبطال دون أية تكاليف باهظة كالتي تتطلّبها غيرها، ومع ذلك لم تكن هناك عدالة بين ثراء موارد الاتحاد من عقود المسابح المشروعة وفقاً لآليات الاستثمار، وبين فقر القاعدة المُهملة من الناشئين والشباب وسوء نتائج المنتخبات في الاحواض العربية بسبب غياب الإدارة المحترفة، وعدم المحاسب والتغيير وفقاً لنظام مراقبة يشمل جميع الاتحادات، تخضع للتقييم المرحلي وجمع نقاط المفاضلة التي في ضوئها تُغرِق الاتحاد تحت مستوى التقصير والتكاسُل أو تمدّهُ بنجّادة الثقة لدورة تقييم آخرى.