طالب عبد العزيز
لا تقربني ليلة النصف من شعبان، وفي آخره لا تقربني، واجعلْ الوسادة بيننا برزخاً وحجاباً، فأنا امرأة أسكن الثغرَ هذا من الأرض، الذي تبيّضُّ حجارتُه في الليل، ويصعدها الماءُ مرتين في النهار. عندي من الابناء ثمانية، في الربيع الماضي إخضرَّ شاربُ أكبرهم، وصار الثاني يركب في فرسه في الليل ويمضي. لكّ ما يؤنسكَ من النساء والنخل والماعز، ولي ما يؤنسني عند ربّي، الذي أنا صائرة إليه، ذات يوم، فدعني في قيعة هذا السرير الليلة، أبتليه ويبتليني، وليكن الصباح علينا شاهداً.
الى ركن في الدار أودعتُ مُصلاتي، وقراطيسَ أحفظها عن أبي، وعقدتُ بيد الغيب ما أنا فيه وعليه، ولأنَّ مخيض الصبح مزبدٌ ودافئ فقد أتيتك والأرغفة به، وبالأقطِ ومنقوع اللبان غمرتُ خِوانك، فخذ عنّي ما أنا حاملته، ومما تُنبتُ الأرض من حولنا زعتراً وبطنجاً وحندقوقاً مراً، خذه بوركت به لحماً وشحماً وعضلاً، فقد كانت العرب تقول: العافية في البارد، واللذائذ بالساخن الذي على النار. فخذ عنّي عافيتك، ولأنني في اشتداد رغائبك دائماً، أعرفها، لذا لك أنْ تشتهيني في صبحك الذي اسفر، وفي ليلك الذي سيأتي، وعلى رائحة الحطب واللبن التي بثيابي، وعلى انقطاعي الطويل عنك، فهذا الجسد مرمى نسورك الى المغيب، وهو متاح، مباح لك من أعلى المنابت حتى مفرقي، حيث تفترع وتغفو، فأنا امرأةٌ هَلُوبٌ،لا أنفكُّ عاشقةً، وهذا ثوبي إياك عنّي ، ذراعاي طوق بطنك، وساقاي اليك، وكل ما بينهما، إلا ما يقدح بمرضاته، في النصف الاول من شعبان، وفي آخره.
فما كان منه إلّا أجلسها على خِوانه، ثم أنه طال عنقَها بلسانه، فتبسمت، ودنت، ثم سقط بنيانُها على بنيانه، فما أوحشته في مكان أراده، وكان أتى على الجيد والقلادة، لكنها تعطلت، فلم تبلغه مراده، فما كان منها إلا أنْ قالت: وتعرف إنني، لا أسرفُ في تتبّع السلفِ، ولا أقتفي لأحدٍ فيهم أثراً، فما أنا منهمُ إلا بالقليل، الذي يُروى، لكنَّ نفسي دعتني اليوم لقراءَة أبي يحيى، مالك بن دينار، وهو من بعض أنفار الطبقة الخامسة، من صغار التابعين. هل كنتُ في عمر رابعة البصريّة آنذاك لأروي لك انه ما قراتُه ؟ ربما، لكنه كان قد اشتهى في ظهيرة يوم قائظٍ رغيفًا بلبنٍ رائبٍ، فلّما ناله جعل يقلّبه، وينظرُ إليه، ثم قال: أشتهيتُكَ منذ أربعينَ سنة فغلبتُك؛ حتى كان اليومُ وتريدُ أنْ تغلبني؟ إليك عنّي، وأبى أن يأكله.
أكان للحكاية موجبٌ في الساعة المحتدمة تلك؟ وكا لو أنها ندمت قالت: "لكنَّ مالكاً كان خليعاً قبل شيبته، مُقبلاً على الخمرة، وكان شرطياً، ميّالاً للسهرِ والنساء، وأنَّه اشترى جارية، نفيسة، وقعت من قلبه أحسن موقع، فشُغفَ بها، فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بات ثملاً ،ولم يصل فيها العشاءَ الآخرة، ليلتها أصلح اللهُ أمره وتاب. وفيه يقول سلامُ بن أبي مطيع: "دخلنا على مالك بن دينار ليلاً وهو في بيتٍ ليس فيه سراج، وفي يده رغيف يكدمه فقلنا: يا أبا يحيى ألا سِراج؟ ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني ..