طالب عبد العزيز
يمكننا أنْ نقول بأنَّ شارع المتنبي في بغداد والشوارع الثقافية في المدن الأخرى هي الأمكنة والملاذات الاكثر أمناً وطمأنينة، عند المرأة العراقية، ذلك ليقينها بأنَّ المثقف هو الشخص غير المنقوص في وعيه، والمؤمن بحرية المرأة، في العمل والحركة والانتماء، بل وهو العارف الاستثنائي بحقها في الحرية، وانتخاب الحبيب واختيارالصديق .. الخ
وينسحب الرأي هذا على العامة من الناس، بناءً على الصورة المثالية، التي يتمتع بها المثقف في وجدانهم، كيف لا وهو الحارس الأمين على قيم المجتمع، والمتطلع الأبدي، لتحقيق الكمال الإنساني، عبر الفلسفة والقصيدة واللوحة والقطعة الموسيقية والأغنية.
نسوق المقدمة هذه لا لأنَّ وسطنا المثقف يعاني من أزمة قيم، أو بما يخل بالمنظومة الجميلة تلك، أبداً، مثلما لا نريد أن نرسم صورة أفلاطونية جداً عن المشهد بعامة، إنما نريد أن نتحدث عن جوهر العلاقة بين المرأة والرجل في الوسط المثثقف، وما إذا كانت المرأة المثقفة تتعرض الى تحرش يخيّب ظنها في طهارة الحيّز الصغير هذا، في مجتمع ظل يتفنن في طردها، ولست هنا في معرض الدفاع عن وسطنا المثقف، ولا أعتقد بممارسة التحرش ضدها في الشوارع الثقافية، وأنَّ الصورة مازالت بنقائها تماماً، لكنني، أكاد أجزم بوجود تحرش وإساءة في استخدام وسائط التواصل، فنحن نقرأ بين فترة وأخرى تذمّر وامتعاض البعض من زميلاتنا من أحدهم، وقد تجاوز حدود الصداقة الى غيرذلك.
برأيي، ستكون زميلتنا التي تعرضت الى التحرش قاسية إذا أعلنت على صفحتها بالفيسبوك بأنها تعرضت للتحرش من قبل فلان المثقف، وستكون الواقعة أقسى عليها إن لم تعلن. فمشهد من النوع هذا قد يحطم الاثنين معاً، ونحن حين نتحدث عن زميلة أو زميل لنا، إنما نقصد الاسماء الراسخة في وسطنا الثقافي، في الأدب والموسيقى والمسرح والتشكيل، أما الطارئون فلا حديث لنا معهم، فهم سقط المتاع وأدنى، وأني لأعجبُ كيف يمكن لمن عُرف بيننا بالحضور الجميل، والنتاج المعرفي أن يهبط من علياء صورته، التي في أذهان الناس الى ما يفعله السَّوقة، فاللحظات التافهة تلك، ستكون مدمرة للنفس في أبسط مراجعة للوعي، ترى، كيف يرتضى أحدنا ليده أن تكتب لإحداهن، على الخاص ما لا ترضاه وتستهجنه؟
ليس بيننا مَن لم تخلب لبَّه امرأةٌ ذات يوم، بل، وما زلنا أسارى الجمال الأنثوي، وسنبقى الى ما لا نعلم نتودده، ونسترضيه، فهي فطرتنا التي فطرنا عليها، لكنْ، علينا أيضاً أنْ نعترف بحقها في الاختيار والقبول والرفض، وأنْ نحترم الخصوصية في حياتها. يكفي أنها تتعرض في محيطها الاجتماعي إلى ما تتعرض له، من جور وإقصاء وتهميش، ويكفي أنها تعاني من الخرقة التي تضعها على رأسها اضطراراً ساعات وساعات، وأنها تتحرج في ثيابها وممارساتها لأبسط ما يمارسه الرجل في البيت والشارع والمؤسسة والمطعم.علينا، نحن معشر المثقفين أنْ نظلَّ الحاضنة الآمنة لها، وأنْ نبقي على ثقة الشارع العام بنا، بوصفنا أدباء وفنانين، بوصفنا الرعاة الحقيقيين لكل ما هو خير وجمال.