TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: أيتحرش المثقف ؟

قناطر: أيتحرش المثقف ؟

نشر في: 10 إبريل, 2021: 09:59 م

 طالب عبد العزيز

يمكننا أنْ نقول بأنَّ شارع المتنبي في بغداد والشوارع الثقافية في المدن الأخرى هي الأمكنة والملاذات الاكثر أمناً وطمأنينة، عند المرأة العراقية، ذلك ليقينها بأنَّ المثقف هو الشخص غير المنقوص في وعيه، والمؤمن بحرية المرأة، في العمل والحركة والانتماء، بل وهو العارف الاستثنائي بحقها في الحرية، وانتخاب الحبيب واختيارالصديق .. الخ

وينسحب الرأي هذا على العامة من الناس، بناءً على الصورة المثالية، التي يتمتع بها المثقف في وجدانهم، كيف لا وهو الحارس الأمين على قيم المجتمع، والمتطلع الأبدي، لتحقيق الكمال الإنساني، عبر الفلسفة والقصيدة واللوحة والقطعة الموسيقية والأغنية.

نسوق المقدمة هذه لا لأنَّ وسطنا المثقف يعاني من أزمة قيم، أو بما يخل بالمنظومة الجميلة تلك، أبداً، مثلما لا نريد أن نرسم صورة أفلاطونية جداً عن المشهد بعامة، إنما نريد أن نتحدث عن جوهر العلاقة بين المرأة والرجل في الوسط المثثقف، وما إذا كانت المرأة المثقفة تتعرض الى تحرش يخيّب ظنها في طهارة الحيّز الصغير هذا، في مجتمع ظل يتفنن في طردها، ولست هنا في معرض الدفاع عن وسطنا المثقف، ولا أعتقد بممارسة التحرش ضدها في الشوارع الثقافية، وأنَّ الصورة مازالت بنقائها تماماً، لكنني، أكاد أجزم بوجود تحرش وإساءة في استخدام وسائط التواصل، فنحن نقرأ بين فترة وأخرى تذمّر وامتعاض البعض من زميلاتنا من أحدهم، وقد تجاوز حدود الصداقة الى غيرذلك.

برأيي، ستكون زميلتنا التي تعرضت الى التحرش قاسية إذا أعلنت على صفحتها بالفيسبوك بأنها تعرضت للتحرش من قبل فلان المثقف، وستكون الواقعة أقسى عليها إن لم تعلن. فمشهد من النوع هذا قد يحطم الاثنين معاً، ونحن حين نتحدث عن زميلة أو زميل لنا، إنما نقصد الاسماء الراسخة في وسطنا الثقافي، في الأدب والموسيقى والمسرح والتشكيل، أما الطارئون فلا حديث لنا معهم، فهم سقط المتاع وأدنى، وأني لأعجبُ كيف يمكن لمن عُرف بيننا بالحضور الجميل، والنتاج المعرفي أن يهبط من علياء صورته، التي في أذهان الناس الى ما يفعله السَّوقة، فاللحظات التافهة تلك، ستكون مدمرة للنفس في أبسط مراجعة للوعي، ترى، كيف يرتضى أحدنا ليده أن تكتب لإحداهن، على الخاص ما لا ترضاه وتستهجنه؟

ليس بيننا مَن لم تخلب لبَّه امرأةٌ ذات يوم، بل، وما زلنا أسارى الجمال الأنثوي، وسنبقى الى ما لا نعلم نتودده، ونسترضيه، فهي فطرتنا التي فطرنا عليها، لكنْ، علينا أيضاً أنْ نعترف بحقها في الاختيار والقبول والرفض، وأنْ نحترم الخصوصية في حياتها. يكفي أنها تتعرض في محيطها الاجتماعي إلى ما تتعرض له، من جور وإقصاء وتهميش، ويكفي أنها تعاني من الخرقة التي تضعها على رأسها اضطراراً ساعات وساعات، وأنها تتحرج في ثيابها وممارساتها لأبسط ما يمارسه الرجل في البيت والشارع والمؤسسة والمطعم.علينا، نحن معشر المثقفين أنْ نظلَّ الحاضنة الآمنة لها، وأنْ نبقي على ثقة الشارع العام بنا، بوصفنا أدباء وفنانين، بوصفنا الرعاة الحقيقيين لكل ما هو خير وجمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram