طالب عبد العزيز
الخطوات التي تتحذها حكومةُ الكاظمي جديرة بالتوقف والتأمل والمعاضدة، على الرغم من الخطى السلحفاتية، والخجولة أحياناً، في معالجة المفصل هذا أو ذاك، إلا أن الواجب الوطني، والمسؤول يقتضي منا كلمة منصفة،
بعيداً عن كل ما تطرحه الأطراف الأخرى، المختلفة على سياسته، والمتصارعة في ما بينها، ونرى أنَّ صورة الرجل ومواقفه من التحديات تتضح يوماً إثر آخر، وأنه راح يرسم لنفسه خريطة طريق ناجحة، وإن كانت محفوفة بالمخاطر، إلا أنه يمسك بالمقود الصحيح في إدارة المرحلة.
وسواء أكان يقوم بهذه طامعاً بالفوز في انتخابات تشرين القادمة، أو بوازع من إرادة وطنية خالصة، خارج ما تفرزه الصناديق الانتخابية، فالحق نقول بأنَّ ما قام به في تهدئة الوضع الأمني جدير بالثناء، حيث لم يستجب لاستفزازات الجماعات المسلحة، وترك أمرهم الى الشارع العراقي، الذي استهجن أفعالهم، في وقت راح فيه يبني مؤسسته العسكرية، ويستعيد الروح الوطنية، التي غابت لسنوات، بسبب السياسات الخاطئة، دونما انفعال وتحيّزٍ لجهة ما، وبذلك نجح في استمالة قلوب الكثير من العراقيين، الذين لسان حالهم يقول: لعله سينقلنا من عصر حكم الإسلاميين الفاشل الى عصر مدني حضاري جديد.
ولعلنا نتذكر كلمته الأولى بعد التصويت عليه كرئيس إنتقالي، والتي قال فيها بأنَّ حكومته هي (حكومة حلول لا صناعة أزمات)، وقد عمل بموجب الكلمة تلك، فقد استطاع أنْ يحدَّ من سياسة إيران في العراق، على خلاف ما عمل به سابقوه، الذين جعلوا إيران وعبر أحزابها وجماعاتها المسلحة مطلقة اليد في رسم سياسة واقتصاد وأمن البلاد، لم يصطدم معها، لأنه كان يعلم بعجزه في أيّ مواجهة، وإن لم ينجح بإخراجها في المنظور القريب إلا انه رسم الخطوط العريضة لنهاية عهدها، من خلال إعادة العراق الى محيطه العربي في الزيارات التي قام بها الى مصر والأردن ودول الخليج، وهي رسائل صريحة بأنَّ العراق عربي، فتعالوا أيها العرب خلصوه من إيران.
,ولعل الرجل لم يدعي أنه يمتلك عبقرية قيادية سياسية فيه، لكنَّ المؤشرات تؤكد على أنه صنع مرحلة عراقية جديدة، وأنَّ عراق ما قبله شيءٌ مضى عليه الزمن، وعراق ما بعده شيءٌ مختلف آخر، هناك جيل جديد استمد من ثورة تشرين أفكاره، جيل يرى في الكاظمي كاظمياً آخر أيضاً، فالذي جاء بتوافقات الأحزاب والكتل لم يعد هشاً ليناً بأيديهم، ويمكننا القول وبجرأة تامة بأنه انقلب عليهم، وما قامت به حكومته، عبر لجنة أحمد أبو رغيف، في مكافحة الفساد، وتتبع خيوط شبكة رجالاته داخل العراق إلا الصورة الحقيقية لما ينوي القيام به، ويطمح في تحقيقه.
هل يكتفي الكاظمي بما قام به؟ بالتأكيد لا، فالرجل يمسك بأكثر من ورقة، ولديه خيارات عدة، لكنَّ ورقة التصدي للمجاميع المسلحة ستكون الاصعب أمامه، أما إّذا تمكن من انتزاع أسلحتها بدون مواجهة عسكرية، وهذا ما نتطلع إليه جميعاً- وإن نراه شبه مستحيل- فستكون إيذاناً له بأن يصبح البطل الوطني الذي صدق عليه رهاننا.