طالب عبد العزيز
في سطور معرفتنا الاولى، قراءةً وكتابةً، ما كنا نتوقع ذات يوم، بأننا سنكون مضطرين الى التنكر لما كتبناه، والعدول عنه بعد ساعات قليلة من كتابته. أتحدث عن قضية شخصية، إلا أنني أراها ظاهرة واسعة في محيطنا الثقافي، أو ما يحدث في وسائل التواصل بيننا، التي أتمنى أن تُرصدَ من دارسين معنيين بالتمظهر القلق، والتحولات غير المتوقعة، التي باتت ترافق سلوكنا الثقافي، في إشكالية حقيقية نعاني منها جميعاً، إما خوفاً، أو اضطراراً حياتياً وأخلاقياً، أو محاولة في تصحيح مسار خاطئ، نُبهنا إليه.
الغالبية العظمى من شعبنا تقرُّ بأنَّ العملية السياسية في العراق إنما تدار من قبل مجموعة من الفاسدين، واللصوص، والقتلة، والمنتفعين المعلنين و (الصامتين)، ويشاركهم العالمُ كله الإقرار هذا، لكنني، حين تعرضت في صفحتي الى مساوئ نائب مات بوباء الكورونا، وهو ممن ينطبق الوصف العام في السوء عليهم، فوجئت بصديق عزيز راح يحدّثني عن محاسن النائب ذاك، وينبؤني بان الرجل كان ممن تعرضوا لظلم النظام السابق، وأنه يعيل أسراً فقيرة، محرومة، وبمعنى ما أنني ظلمته في هذه كثيراً، فيما راح آخرون تحركهم دوافع أخلاقية ودينية معترضين عليّ، آيتهم بأنَّ الرجل ذهب الى دار حقه، وما علينا إلا أن نذكر محاسن موتانا، -ألمثل هؤلاء محاسن يا ترى؟- ومثلهم من قال لي بأنني شاعر، وليس من المروءة التعرض للموتى، لهذه وتلك وجدتني مضطراً الى حذف البوست.
أنا شخصياً لم أخطئْ بحق النائب الميت، فهو باتفاق الجميع من أخطأ بحق شعب كامل، وله تاريخ مشوّه في صفقات الأسلحة، والحرب الطائفية، وحوادث القتل والخطف، ونحن شهود أحياء ما زلنا على الفترة تلك ، وهناك العشرات والمئات من أمثاله ما زالوا يمكسون بقبضة السلطة، يسرقون ويقتلون ويخربون البلاد، لكنهم على موعد مع أطنان الكلمات الشامتة التي سيقولها الشعب بحقهم، والأمر لن يقف بحدود الشتيمة والتشفي، إنما، سيأتي بعجلته الحديدية على سيرهم وأموالهم وشركاتهم وهي بالمليارات، فهذه حقوق لا تسقط بموتهم، بل ستستل من بناتهم وأولادهم وزوجاتهم الذين سيلاحقهم العار في ما تنعموا به.
ضمن التصور هذا وجدتُ أنَّ الوزير د. حسن ناظم كان قد تعرّض الى شيءٍ من هذا، بالكتاب الذي بعث به الى وزارة الخارجية والسفارة العراقية بلندن، والذي تضمن توجيه القنصلية الى العناية بالوضع الصحي المتدهور الذي يمر به الشاعر سعدي يوسف هناك، وهي خطوة مسؤولة وصادقة، وتستحق الثناء، لكنَّ المفاجئ في الأمر هو أنَّ الوزير (ناظم) أضطر هو الآخر الى تبرير موجبات توجيهه ذاك، حتى بدا كما لو انه يعتذر لمجموعة ضاغطة حواليه، الوزير قال كلمة كبيرة بحق سعدي يوسف حين وصفه بانه أكبر شعراء العربية الأحياء، وهذه كلمة يقولها كلُّ معنيٍّ بشأن الثقافة، لكنَّ الآخرين ذهبوا الى شتائم سعدي ومواقفه في السياسة والدين أبعد من ذهابهم الى شعره ومنجزه، الذي تجاوز الـ 100 كتاب، فضلاً عن أهميته كشاعر، والتي ستبقى مئات السنين من بعده، نحن بحاجة الى التروي، أقول هذه عن نفسي وأقصد الجميع.