TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: مئويّتنا العراقية

قناديل: مئويّتنا العراقية

نشر في: 24 إبريل, 2021: 10:29 م

 لطفية الدليمي

بعد بضعة أشهر يكون الكيان الجغرافي العراقي قد أتمّ قرناً كاملاً على ولادته الرسمية في سنة 1921 ، كانت القابلة بريطانية ، وماذا يهمّ ؟ هل توجد دولة في العالم لم تنجبها قابلة؟ تشكيل الأمم صناعة لم ننجح فيها نحن - العراقيين - ؛ في حين نجح فيها غيرنا من العرب الأقربين والأبعدين . ربما لم ينجحوا ؛ لكني أراهم نجحوا بالمقاسات النسبية معنا ، إذا كان هؤلاء خسروا أشياء محدّدة ؛ فنحن خسرنا كل شيء بالمقارنة معهم .

تبدو حكومتنا في تيه من أمرها حتى لكأنّ مئوية الولادة العراقية لاتعنيها في شيء ، الحق أنّ أغلب العراقيين لاتعنيهم هذه الولادة ؛ بل حتى لكأنهم ينكرونها أصلاً . يتساءلون في سرّهم وعلانيتهم ( هذا إن إمتلكوا أصلاً دافعية التساؤل ) : مالي وهذه المولودة البريطانية التي حدّد معالمها المقصّ البريطاني الاستعماري أولاً وآخراً ؟

إنها حماقة كبرى أن لانتعلّم من تأريخنا . يحضرني في هذا المقام الجواهري الكبير إذ يقول :

ومن لم يتّعظ لغدٍ بأمسٍ وإن كان الذكي هو البليدُ

لننظر في حال الهند مثلاً ، ألم تكن درّة التاج البريطاني ؟ أليست كوكباً يعجّ بالتنوّعات السكانية واللغوية والدينية ؟ لماذا إذن صارت الهند مرشّحة لتبوِّئ مرتبة متقدّمة بين الاقتصادات العالمية والإمبراطوريات التقنية وهي التي لاتملك الثروات التي يملكها العراقيون ؟ وحال الهند ينطبق على حال الكثير من المستعمرات البريطانية السابقة التي حققت إنجازات كبرى في ميادين التعليم والصحة والريادة التقنية .

كان العراق الموروث من الحقبة العثمانية أرضاً خربة ، بدأ بناء المملكة العراقية من الصفر أو دون الصفر . لم يكن آنذاك نفط ملعون يخرّبُ النفوس والعقول ويُسيلُ لعاب الكائنات الطفيلية التي عرفت شفرة اللعبة اللاحقة : أمسك بكرسي الحكم فتمسك بمفتاح الثروة . صار العراق دولة بعلم وجيش وطني ومؤسسات في وقت لم تكن فيه الهند دولة بعد ! صارت الهند دولة مستقلة عن التاج البريطاني عام 1948 ، أي بعد أكثر من ربع قرن من تأسيس الدولة العراقية الحديثة ؛ فلماذا صارت الهند على الشاكلة التي نعرف في حين إنتهى العراق في قعر آسن لاقرارة له ؟ هذا سؤال بنيوي يجب على كلّ عراقي حقيقي أن يتفكّر فيه .

بدأ الحكم الملكي بإرساء نمطٍ معقول من الليبرالية المنضبطة والمتفاعلة مع الطبيعة العراقية المحافظة . لن يأخذنا الزهو والنشوة فنتصوّرُ أنّ الليبرالية العراقية كانت تماثلُ الليبرالية البريطانية ؛ لكنها كانت مقبولة في حدود زمانها ، والأهمّ من هذا أنها كانت قابلة للحياة والاستمرارية والتطوّر في كل الميادين. تجربة مجلس الإعمار – على سبيل المثال – كانت تجربة ناجحة على مستوى العالم ، وكان مقدّراً لها أن تحقق قفزات نوعية في الاقتصاد العراقي ، تجربة أخرى هي دار المعلمين العالية التي صمّمت لتكون بمستوى الجامعات البريطانية ، وقد خرّجت أعلاماً نابهين كثراً ، وكم أشعر بالخجل عندما يقالُ أنّ كلية التربية الحالية هي وريثة دار المعلمين العالية العظيمة . تجربة أخرى في هذا الميدان عندما صارت بغداد ورشة عمل في منتصف خمسينيات القرن الماضي بعد أن تمّ التعاقد مع أعظم معماريي العالم ليعملوا في بغداد : والتر غروبيوس ، ليه كوربوزيه ، ميس فان دير روه ، وآخرون ، وليس خافياً أنّ فرانك لويد رايت ( جنّي بغداد ) وضع تصميمات لدار أوبرا عراقية في جزيرة أم الخنازير .

لابد في هذه المئوية العراقية أن نستذكر حقائق كثيرة ، ومنها أنّ العراقيين كانوا ينامون ولم يكن ليخطر لهم في أسوأ كوابيسهم أنّ سيارة ستنفجر في الصباح ، أو أنّ جثثاً مجهولة سترمى على قارعة الطرقات ، أو أنّ المدافع ستعلن بدء حرب جديدة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram