اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: حدث في الظهيرة

باليت المدى: حدث في الظهيرة

نشر في: 25 إبريل, 2021: 10:22 م

 ستار كاووش

البارحة، حدث معي شيء غريب جداً، ربما هو أغرب ما خبرتُهُ ومررتُ به في السنوات الأخيرة، حتى خلتُ أن شيئاً خفياً يتحكم بما حصل ويحرك خيوطه من بعيد، فخلال خروجي وقت الظهيرة، للتجول كالعادة، محاولاً تشذيب أفكاري، وترتيب بعض التفاصيل التي تعينني في الرسم، حدثَ لي ما أريد أخباركم به.

وابتدأ الأمر حين غيرتُ طريقي اليومي بشكل مفاجئ وسرتُ بإتجاه الأحياء البعيدة عن البيت والمرسم حيث المكان هادئ والشوارع فارغة من الناس الذين ينشغلون عادة بتناول الطعام في تلك الساعة.

هناك وأنا أنعطف نحو أحد الشوارع الصغيرة، ظَهَرَ فجأة وهو يسير بإتجاهي من جهة اليمين، وأقصد الرجل الذي سأتحدثُ عنه، كان في منتصف الخمسينيات من العمر، يرتدي جاكيت أزرق داكن تنتهي ياقته بغطاء رأس يستقر فوق هامته ويمنحه بعض الغموض. بالكاد تبينتُ ملامحه ثم اجتزته نحو الجهة الأخرى للساحة الصغيرة التي استقر في بدايتها مطعم للأكل الصيني، وما أن سلكتُ شارعاً صغيراً امتدَّ على جهة اليسار، فإذا بذات الرجل يخرج لي مجدداً من بين بعض البيوت المتلاصقة ويرمقني بنظرة لم أعرف معناها ويمضي بمحاذاتي من الجهة الأخرى من الشارع، أكملتُ طريقي ودلفتُ نحو جادة صغيرة وأنا متيقن بأن الأمر قد انتهى عند هذا الحد، لكنه عاود الظهور من جديد عند سياج البيت الذي في نهاية الشارع وصوَّبَ نحوي نظرة جانبية ضيقة بانت من خلالها إحدى عينيه وهي تلتمع قرب حافة غطاء الرأس، عندها انتبهتُ لشارع ينحني ويستدير نحو الخلف وكأنه يعود الى المكان الذي بدأتُ منه، فقلت لنفسي، فلأمضي في هذا الطريق وكأني أعود أدراجي ثم اكمل جولتي من الجهة الأخرى لهذا الحي الغريب، أعرفُ أن الطريق سيصبح أطول من اللازم، لكنه حلاً مـؤقتاً يجعلني أتمتع فيما بعد بفرديتي وبنزهة الظهيرة. مرَّتْ بضع دقائق حتى وصلت الى طريق رئيس نوعاً ما، فأكملتُ سيري بالاتجاه الذي أريده، مضيت قليلاً وإذا بذات الشخص يشرئب أمامي مثل قط صغير، فقد انبثق كالدخان من إستدارة تحيط ببعض البيوت. أبطأنا الخطى ونظرت اليه مندهشاً لما يحدث، فبادلني بنظرة متعجبة لكنها بدت لي مصطنعة. وكي أبدو غير مكترثاً للأمر، مضيتُ بخفة نحو صف من بيوت (فيليبس) المتشابهة -وهي نوع من البيوت التي تمنحها شركة فيلبس لموظفيها الذين تستقدمهم من المدن البعيدة للعمل في مدينتنا- مررتُ بمحاذاة هذه البيوت، وعند منتصفها لاح لي رصيف بعرض متر ونصف يخترقها من الوسط ويحولها الى مجموعتين، حيث يستعمله السكان للمرور بدراجاتهم الهوائية والدخول من أبواب الحدائق الخلفية لبيوتهم، لحظات واصبحتُ خلف هذه البيوت، فتنفستُ الصعداء بعد تلك المصادفات الغريبة. إبتَعَدَتْ بيوت فيليبس خلفي، لتظهر لي شجرة كبيرة إنتصبت بين شارعين وقد عُلقت عليها مجموعة من بيوت العصافير الخشبية، فأخرجت تلفوني محاولاً تصوير المشهد، وفي اللحظة التي حاولت ان أضغط فيها على زر التصوير ظهر الرجل في كادر الصورة وخطفَ بشكل مباغت أمام الشجرة، عندها أنزلتُ التلفون بسرعة، بينما توقف الرجل وهو ينظر الى تلفوني، فلم يستطع إخفاء نفسه، وأنا كذلك لم استطع تغيير طريقي هذه المرة، فنظر اليَّ نظرة متسائلة، وقبل أن ينطق بأية كلمة، واجهته بسؤال حازم على طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع (ماذا تريد أيها الرجل؟) وبينما هو يلملم كلماته التي سيقولها، داهتمهُ بسؤال آخر أكثر جدية (من أنت ولماذا تتبعني كظلي؟!) وأكملتُ بعدها (لماذا تراقبتي بهذه الطريقة المكشوفة؟) وهنا اقترب مني أكثر وهو يحك لحيته الرمادية الخفيفة ويدفع غطاء رأسه قليلاً الى الخلف قائلاً ( أتبعك؟ أنا... أتبعك؟) ثم اكمل ( أنت من يراقبني يارجل، وقد أرهقتني بذلك وكأنك تعلب معي لعبة الاستغماية! وها أنت توشك أن تصورني أيضاً، فماذا تريد بحق السماء؟) وهنا اقتربنا قليلاً من بعضنا، وقد لاحت ابتسامة خفيفة على شفتيه، وبادلته بإبتسامة مماثلة قائلاً (كيف تُثبت لي بأنك لم تتقصد متابعتي؟ والأدهى من ذلك هو كيف أثبتُ لك أيضاً بأني لم أنوي أبداً تتبع خطاك؟) مع هذه الكلمات انقشع الضباب الذي جمعته الافكار المسبقة بيننا، واقتربنا من بعضنا أكثر، (ستار، هذا هو إسمي) هكذا قلت له وأنا أمدُّ يدي نحوه ، ليجيبني (إسمي يوهان) وهو يشد على يدي. ثم أشرتُ له نحو الطريق الذي يتسع لكلينا وأكملناه سوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram