علي حسين
هل هي مصادفة أن يحترق مستشفى ابن الخطيب بسبب غلو الانتهازية وغياب الضمير ، مثلما أُحرق الكاتب والوزير الأندلسي ابن الخطيب بسبب غلو مدعي الدين وتقلبات انتهازيي السياسة ؟ كان ابن الخطيب يريد أن يملأ الدنيا حكايات في العشق والتسامح، مصراً على أن كل غلو سيؤدي حتماً إلى الخراب .
لعل الأقسى من الصور المؤلمة لضحايا مستشفى ابن الخطيب ، هي صورة وزير الصحة حسن التميمي وهو يهبط من طائرة هليكوبتر عسكرية في محافظة ديالى ليتابع الوضع الأمني هناك في نفس يوم حريق المستشفى . والأقسى من الموت داخل مستشفىحكومي، أننا نجد الوزير يرفض حتى الاعتذار أو الاستقالة، والأقسى من كل ذلك أننا من جديد نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنّ المواطن بلا ثمن، ولا أهمية، مجرّد رقم يضاف إلى سجلات الموتى، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في بؤس مستشفيات بلاد تصدر يومياً أكثر من أربعة ملايين برميل نفط، مثلما لا يحق لكم أن تسألوا لماذا لم يتم اعتقال الوزيرة المؤمنة عديلة حمود بعد أن أكلت النار عشرات الأطفال الرضع في مستشفى اليرموك قبل أعوام .
في بلاد تتحول فيها مؤسسات الدولة إلى شركات مساهمة تديرها الأحزاب والعصابات ستجد من يحاول الضحك على عقولنا، بأنّ ما جرى مجرّد إهمال أو خطأ غير مقصود. في بلاد سياسيي الصدفة، لا أحد يريد أن يطمئن سكان مستشفى الوطن على حياتهم ومستقبل أبنائهم.. فردهات مستشفى البلاد مسكونة بأشباح سياسيين ومسؤولين مهمتهم الأولى الاقتصاص من الشعب، لا مكان آمن، ولا أوكسجين نقي ولا أمل بالشفاء ننتظره، فيما حيتان الفساد والطائفية يحملون مباضعهم لتشريح ما تبقى من جسد الوطن.
ماذا سيفعل وكلاء الوطنية العراقية اليوم وهم يرون مستشفى البلاد في طريقها إلى الحريق الكبير، وما هو موقف الذين يصرخون ليل نهار لإنقاذ اليمن ونصرة نساء البحرين؟ . إذا كانت أرواح ضحايا مستشفى ابن الخطيب لم تهدأ منذ كارثة السبت، ولم يشفِ القضاء غليل أهاليهم، فإن المواطن المغلوب على أمره مثل "جنابي" يحق له أن يسأل متى يطمئن سكان المستشفى الكبير على حياتهم ومستقبلهم، في وقت يصرّ فيه ساستنا الأشاوس على أن يمضوا بنا فى سرداب مظلم تتصارع فيه المصالح وحيتان الفساد، فيما المواطن المسكين حائر تتخبط به اشباح الفساد وعفاريت السراق ، بينما لا مكان آمن هناك ولا ضوء بعيد نهتدي به وإليه، باستثناء خطب عن التقوى والفضيلة ، وبأن ابناء العراق مكتوب عليهم ان يكونوا طلاب آخرة وليس طلاب دنيا وعمل وحياة سعيدة .
سيذهب ضحايا مستشفى ابن الخطيب مثل ضحايا الكرادة وقبلهم سبايكر وجسر الأئمة وعشرات الكوارث من دون شعور بالأسى والغضب. لقد اعتدنا الموت المجاني .