علاء المفرجي
فيلم التحريك "هناك أجمل"، لحسنين الهاني الذي يُعدّ أطول أفلام التحريك في العراق، يستند إلى فكرة مفادها بأنّ الحياة، التي توفّر النهاية قبل عناء الخوض فيها، مُرعبةٌ، فطبيعة الإنسان، كما يقول الهاني، الرافضة للنهاية والراغبة في المغامرة، أدخلت المولود في صراع التحدّي، مُثبتاً بأنّ البقاء لمن يتغلّب على الصعاب:
"خلق الإنسان ليترك أثراً بعد رحيله، من خلال رسالة يقدّمها"، كما يقول الهاني في حوار مع "العربي الجديد"، مُضيفاً: "لكنّه، وفق هذه الظروف التي يعيشها، لا يستطيع أنْ يختار مسار حياته، جميعنا وقودٌ لحروب وخلافات لا ذنب لنا فيها، بل حتّى إنّنا لا نستطيع أنْ نقاوم ونتمرّد، علينا أنْ نكتم أفواهنا وأحاسيسنا وطموحاتنا وأحلامنا. هكذا، وجد بطل فيلمي "هناك أجمل" الحياة، فهو يمثّل الإنسان في كلّ بقاع الأرض، وفي كلّ الأزمنة، ولكلّ الشعوب".
أُطلِق الفيلم للتسويق والمهرجانات قبل أربعة أشهر فقط، وعُرض ـ لغاية الآن - في سبعة مهرجانات، وحصل على جائزتين: في بنغلادش حصد المركز الأول، والجائزة الكبرى في "وجدة" في المغرب، هناك جائزة أفضل إخراج أيضاً: "وصلني إيميل من التلفزيون الإيطالي المحلي، لعرضه في إيطاليا، كما عُرض في "مؤسّسة عبد الحميد شومان" في الأردن".
عن فكرة الفيلم وتمويله يقول الهاني: "تمخّضت الفكرة عام 2013، مع الصديق المخرج مهند ناصر، وتمّ الاتفاق مع الكاتب سعد هدابي على كتابة سيناريو يخصّها، بالفعل، كُتب النص في العام نفسه، لكنّي عندما درست ميزانية إنتاج فيلمٍ روائي قصير، بثماني دقائق، وجدت أنّ التكلفة تتجاوز 40 ألف دولار أميركي، هذا مبلغ تعجيزي بالنسبة إلي، لذا، وضعت النصّ جانباً بضعة أعوام".
يضيف الهاني: "أنا مؤسّس ومدير "مهرجان النهج السينمائي"، الذي أنتج أكثر من 20 فيلماً قصيراً، مثّلت العراق في محافل ومهرجانات دولية، فنسيتُ نفسي ومستقبلي كي أدعم أصدقائي المخرجين الشباب، بسبب ظروف الحياة، مرّت الأعوام، لكنّي لم أجد من يُهيّئ لي الظروف لأصنع فيلمي، الحلم موجودٌ وقائم، لذا، توجّهت مرّة أخرى إلى الكاتب هدابي، عام 2017، لتغيير ملامح السيناريو، بغية تخفيض كلفة الإنتاج. لم يتأخّر هدابي في مساعدتي، بل كتب نصّاً آخر يختلف عن الفكرة نفسها".
ويشير الهاني إلى وجود صعوبة، أو "ثغرة فنية تقع على عاتقي كمخرج للفيلم، وبالتالي وضعتُ المشروع جانباً مرّة أخرى"، واصفاً الفيلم بـ"العنيد"، الذي "يدور في ذهني ومخيّلتي، وأنا أراه شريطاً سينمائياً متكاملاً". يضيف: "عام 2020، التقيتُ من أُسمّيه مؤسّسة متكاملة لا فرداً عادياً، الرسّام ومُصمّم الغرافيك ومحرّك الـ"أنيميشن" والمخرج والمونتير، الفنان أنس الموسوي، الذي بادر في صناعة عملٍ مشترك. بالفعل، أعطيته النصّ، وفيّ يأس مسبق، كون النصّ صعباً وغريباً ومعقّداً، ويحتاج إلى فريق. فاجأني الموسوي بأنّه باشر باقتراح شخصية الفيلم، قائلاً لي: تخيّل كيف يكون شكلها"، يتابع: "أنس الموسوي ذكيٌّ، حتّى في تقبّله للمعلومة، كأنّه يسكن في ذهني وخيالي، هكذا أُدخلت تعديلات بسيطة بما يتناسب مع مادة الفيلم وشكله الجديد، كفيلم تحريك".
يقول الهاني إنّ تنفيذ الفيلم استغرق 120 يوماً (10 ساعات يومياً): "ثم أدركنا الحظر بسبب كورونا، فصرنا نتواصل عبر "واتساب"، وأرسم وأخطّط بإمكاناتي البسيطة جداً في الرسم، أنس بارعٌ في ترجمتها إلى لوحة تشكيلية ناطقة، رغم صمتها الكئيب. أنجزنا الفيلم في أربعة أشهر، ولم أصدّق أنّ الورق أصبح صورة ناطقة، تجوب المهرجانات رغم توقّف أغلبها"، لذا، دعا الهاني إلى تشكيل مؤسّسة مستقلّة للتحريك، "لأهميته البالغة، وانتشاره السريع، فالذين يعملون في هذا النوع من الأفلام لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، لأنّ هذا النوع يحتاج إلى أجهزة خاصة ومُكلفة، وبعض الأجهزة تساعد المُصمّم في صنع حركات معقّدة. ربما هناك خمسة أشخاص لديهم القدرة على إنتاج أفلامٍ كهذه".
من ناحية أخرى، وبوصفه مديراً له، يقول الهاني إنّ "مهرجان النهج السينمائي" سيُقيم دورته السادسة في الأول من آذار 2021، بالشكل والمضمون نفسيهما، مع مراعاة الشروط والضوابط الصحّية: تلقّى المهرجان 3022 فيلماً من 128 دولة قبل بدء كورونا. نحن الآن في مرحلة التحضيرات النهائية، والتواصل مع الضيوف داخل العراق وخارجه".
أخيراً، يتحدّث حسنين الهاني عن مشاكل السينما العراقية، فحمّل وزارة الثقافة مسؤولية تراجع الإنتاج السينمائي، لامتلاكها أجهزة وطاقات وفنانين في اختصاصاتٍ فنية مختلفة، "لكنّ الوزارة لا تتحرّك، والمؤسّسات الحكومية المعنية بالسينما لا تعمل في الإنتاج ولا تضخّ جديداً فيها وفي مناصبها وبرامجها"، هذا عملٌ حسّاس ومهم، "لأنّه الواجهة الفنية للعراق لا مجرّد منصب إداري"، وقال إنّ البلدان والشعوب مرّت بأزمات مختلفة وعصيبة، "لكنّها لم تترك الفن والثقافة، فهما هوية البلد، والهوية هي الإنسان والفرد بين أقرانه في الحياة".
البلدان والشعوب مرّت بأزمات مختلفة وعصيبة لكنّها لم تترك الفن والثقافة، فهما هوية البلد، والهوية هي الإنسان والفرد بين أقرانه في الحياة
يًذكر أنّ المشروع المقبل للهاني فيلم تحريك طويل مستوحى من جلجامش العظيم، الملك العراقي الأشوري. والقصّة مُترجمة إلى لغات مختلفة: "ستكون مدّة الفيلم 90 دقيقة. بهذا، يُصبح الفيلم الأطول في تاريخ العراق منذ نشأة السينما. والهدف كامنٌ في تعزيز شبّاك التذاكر، وكسب ثقة الجمهور بالفيلم العراقي، وارتياد صالات السينما كما في سبعينيات القرن الـ20 وثمانينياته.