كشفُ الظواهر ومساءلة الثوابت ومحاكمة المرجعيات
لطفية الدليمي
كنتُ نشرتُ قبل بضعة أيام مادة خاصة بتعقيبات ومساءلات بشأن اللقاء الذي أجراه ( سعدون محسن ضمد ) في سياق برنامجه التلفازي الجديد ( المُحايد ) مع الدكتور حيدر سعيد ، وهو برنامج يعدُّ إختراقاً غير مسبوق في التلفاز العراقي وشبكة الإعلام العراقي التي أراد لها الطامحون بنيل لقب ( الآباء المؤسسين )
أن تكون أمثولة إعلامية تحاكي الخطوط التأسيسية لفلسفة الإعلام التي تأسست بموجبها الـ BBC العريقة ؛ لكننا ماوجدنا منها عبر سنوات عديدة سوى تكريس لخطاب إعلامي غارق في الفقر وتنفير المشاهدين بسبب لغة غير مدروسة وكأنها صيغت لتخاطب قطاعات جماهيرية مغلقة ومكرّسة لتداول نمط من الثقافات الدائرية المنغلقة على لون آيديولوجي واحد .
إستطاع ضمد في إطار جهد حثيث وصبور منذ سنوات عدّة، في شبكة الإعلام العراقي كما في غيرها من القنوات الفضائية، إحداث ثقبٍ (حتى لو كان صغيراً بقدر خرم إبرة !) في جدار الصلادة الآيديولوجية والأحادية الثقافية ؛ فذاك أفضل من الإنكفاء والنكوص في خطاب إعلامي مقعّر مقفل ومنفّر. أرى من جانبي أن مساهمة ضمد أكبر من ثقب صغير، وقد شهدتُ دينامية الاستجابة التفاعلية مع برنامجه عبر مجسّاتي الشخصية والتنقيبية في وسائل النت المتاحة، وهذا أمرٌ ينبغي الإشارة إليه بتقدير عالٍ فضلاً عن وجوب دعمه بكلّ الإسناد على المستويين الفردي والجماهيري.
ينطلق ضمد من فلسفة إعلامية واضحة : إختراق المسكوت عنه في ثقافتنا العربية، ومناكفة الثوابت القارّة في تلك الثقافة (مرجعياتها لو شئنا الدقّة)، ومساءلة مدى راهنية علاقتها بأسئلة الحداثة العالمية والمعضلات الوجودية. المقاربة السوسيولوجية والحفريات الأنثروبولوجية تبقيان العنوان الطاغي لحواريات ضمد، وأظنّ أنّ ولعه المعرفي بهذا اللون الثقافي لم يكن وليد دراسته في علم الإجتماع بقدر ماجاء تلبية لشغف طبيعي متأصّل فيه، وعندما يتعاضد الشغف الطبيعي مع المعرفة الرصينة فعلينا أن نتوقّع خيراً كثيراً.
تابعتُ برنامج (المحايد) بدقّة، ورغم أنّ كلّ حلقاته كانت مفيدة ومنتجة ؛ لكني أرى أنّ الحلقات التي إستضاف فيها ضمد كلاً من (الدكتور فالح مهدي) و (سعيد الغانمي) و(حيدر سعيد) و (توفيق السيف) كانت مثقلة بقيمة إثرائية مضافة من جانب إخلاصها للفلسفة الإعلامية للبرنامج في المناكفة النزيهة للثوابت والمرجعيات الثقافية. جاءت حلقة البرنامج التي إستضاف فيها ضمد الدكتور (عبد الله إبراهيم) لتضيف ثراءً إضافياً للحصيلة المعرفية للبرنامج والمشاهد معاً، وأنا إذ أكتبُ هذه الكلمات التقريضية فلستُ أخفي مسعاي الواضح في الترويج لهذا البرنامج الرصين الذي أتمنى أن تتابعه أوسع الشرائح من العراقيين والعرب على إختلاف متبنياتها الفكرية ومنطلقاتها المرجعية.
* * * * *
الدكتور عبد الله إبراهيم شخصية ثقافية معروفة على أوسع النطاقات الثقافية والعامة، وقد تأصّلت بصمته الثقافية بسبب جهده البحثي الطموح الخاص بتناول ظاهرة (السردية العربية) في كلّ تفصيلاتها المعقّدة عبر تأريخ إشكالي طويل. وضع عبد الله إبراهيم خلاصة جهده في عمله الأفخم (موسوعة السرد العربي) بتسعة أجزاء، والمثير في جهده البحثي أنه كان يقوده بين آونة وأخرى لتناول تفصيلة بحثية سرعان ماتتطوّر لتكون مبحثاً فرعياً عن الرافد البحثي الأصيل، ثمّ يمضي الرجل في تطوير وتغذية هذا الرافد الأصيل ليكون تياراً بحثياً يماثل التيار الأم (السردية العربية)، وهكذا نشأت لديه رغبة دراسة بحثية تنقيبية كبرى لموضوعة المركزيات والهوامش ومايتّصل بهما فيما يخصّ ظاهرة العولمة، ثمّ راح ينقّبُ في موضوعات جزئية أخرى صارت كلّ واحدة منها موضوعاً لكتاب دأب على نشره كلّ بضع سنوات.
أوردتُ هذه التفصيلات فيما يخصّ الجهد المعرفي لعبد الله إبراهيم لأنني أراها ذات ضرورة قصوى لمن شاهد (أو سيشاهد) حوار ضمد معه، وربما يكون عبد الله إبراهيم مصداقاً تجريبياً للأمثولة التراثية التي مفادها أنّ (الكتابة أشرفُ من الكلام)، ربما يعتقدُ البعض أنّ التسويغ المنطقي لهذه الأمثولة يكمن في أنّ الكتابة فعلٌ يستوجبُ التفكّر وإعمال الأدوات التحليلية والمنطقية بأكثر ممّا نفعلُ في العادة مع أفعال الكلام المباشر، وهذا تسويغ صحيح ؛ لكنّ الامر مع عبد الله إبراهيم يتجاوز هذا التسويغ إلى حقيقة أنّ ديناميته الكتابية وطريقة رصف العبارات ونحتها وانتقاء المفردات تمثّلُ كلاً عضوياً من منظومته المعرفية ؛ وعليه من أراد معرفة الجوهر الدقيق لما أورده عبد الله إبراهيم في هذه الحوارية التلفازية فليس أمامه من وسيلة سوى الرجوع إلى مؤلفاته، ولستُ أذيعً سراً إذا قلتُ أنّ سرّ عزوفي عن اللقاءات التلفازية إنما ينشأ لديّ من قلقي المفرط من عدم قدرة كلامي الشفاهي على نقل ماأسعى لتمريره للمشاهد من أفكار أو خبرات، الحديث أمام المشاهدين ليس بالخبرة الميسّرة للجميع، وليس الجميع بقادرين على الموازنة بين ثراء الفكرة والقدرة المتمكّنة في مخاطبة الناس، وأحسبُ أنّ عبد الله إبراهيم نجح في الإيفاء بشروط هذه الموازنة الصعبة.
* * * * *
سأتناول - كعادتي - المفاتيح الجوهرية في حوارية ضمد مع عبد الله إبراهيم بصيغة إشارات محدّدة لموضوعات منفردة بغية التدقيق وعدم تمييع الجوهر المخصوص لكلّ موضوعة في حديث ثقافي عام:
- فكرة المثقف / الشاهد : العراق بيئة غنية في إفرازاتها السوسيولوجية والأنثروبولوجية؛ لكنّ المثقف العراقي كان أغلب الوقت متدثراً بعباءة المرجعيات العامة أو الأكاديمية، ولم يرتقِ لمرتبة المثقف الشاهد على عصره. ربما تكون فكرة المثقف الشاهد معادلاً فكرياً لأطروحة المثقف العضوي (غرامشي) أو فكرة الشخص المناكف للمرجعيات السياسية (أو الحكومة بتعبير أدق) وكذلك الدينية. يرى عبدالله إبراهيم أنّ الأكاديمية العراقية معوّقة من حيث قدرتها في صناعة الجسم الثقافي العراقي، والأكاديمي العراقي يميلُ إلى المسكنة والإنكفاء في حصونه الأكاديمية التي تكفل له تراتبية إجتماعية ومورداً مالياً هو بعضُ الحصيلة الريعية للدولة.
- المجتمع العراقي والحداثة : تسبّبت مفاعيل الحداثة في شيوع نمط ثقافي في المجتمع العراقي هو أقربُ لإضطراب ذهاني يوصفُ في الأدبيات الخاصة بعلم النفس الإكلينيكي بكونه الذهان الهوسي – الإكتئابي Manic Depressive Psychosis . يتبنى العراقيون أنموذجاً حداثياً يتلهّون به أياماً أو أسابيع أو أشهراً ثمّ ينكفؤون عنه نحو قاع سحيق من اللامبالاة والخذلان والشعور الطاغي بلاجدوى الفعل والتغيير، ثمة إزدواجية مَرَضية في لغة الخطاب : زَهْوٌ منتشٍ بأمجاد مدّعاة سرعان ماتتخافت مناسيبه حتى ينتهي بخواء مطبق عندما يواجه المرء متطلبات صناعة حداثة حقيقية. من السهل أن يسكر المرء وينتشي في لحظات إندفاعته الاولى ؛ لكنّ صناعة ثقافة حداثية حقيقية مهمّة تراكمية تتطلبُ جهداً وطول نَفَس وليست مَلْعَبَة زهو وانتشاء لحظي. أظنّ أنّ ابتعادنا عن صناعة البنية التحتية للثقافة (أي الوسائل والادوات المادية التي يحفزها العلم والتقنية) فضلاً عن عدم شيوع المفاهيم العلمية وقَصْر الثقافة على فضاءات أدبية تقليدية هو ماأسهم في جعل الثقافة لدينا فوراناتٍ موسمية غير منتجة. ثقافتنا العراقية - كما العربية - لم تساهم في صناعة الثروة المادية وظلّت تحلّقُ في فضاء الرمزيات العائمة، وهذا ماجعلها بعيدة عن أن تكون أخلاقيات عمل راسخة صبورة وجَلِدة. من جانب آخر، أشار عبد الله إبراهيم إلى أنّ الإنكفاء الثقافي الذي يعقبُ كلّ زهو ثقافي ساهم في تسيّد رعاع الناس وأكثرهم غلظة وقسوة على مفاتيح البلاد ومواطنيها في لعبة لاتنتهي من الفوضى السياسية الضاربة، وتلك إشارة أحسبها حقيقية لمسها العراقيون في التأريخ السياسي العراقي.
- المثقف وإشكالية الإنتماء إلى الدين والآيديولوجيا : يؤكّد عبد الله إبراهيم حقيقة لطالما غابت عن أوساطنا الثقافية، وهي أنّ المثقف الحقيقي إبن النظام والاستقرار المؤسساتي والرسوخ المفاهيمي والرؤية الاستراتيجية للحياة وليس إبن الفوضى والمناكفة والخشونة والتصارع الديني والآيديولوجي ؛ لكنّ ماشهدناه في ثقافتنا العراقية والعربية هو ترسيخ نمط من الثقافة الدينية والآيديولوجية. تقنّع المثقفون الدينيون بقناع أنّ الإسلام نمط حياة شامل ولايمكن عدّه وقفاً على الحدود الفقهية ؛ أما المثقفون المنضوون تحت أجنحة الآيديولوجيا فقد أعلوا شأن الجانب الآيديولوجي مدفوعين بإفرازات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. أغفل المنافحون عن الثقافة الدينية والمستظلّون تحت أفيائها أنّ الثقافة إبنة الدنيا ، وهي منتجٌ دنيوي worldly ولاعلاقة لها بأيّ مواضعات دينية أو فقهية صلبة ؛ أما المنافحون عن الثقافة الآيديولوجية فقد أغفلوا أنهم محضُ أحجار شطرنجية في مضمار صراعي يشتدّ أواره ويخفت تبعاً لظروف متغيّرة في خارطة القوى الدولية الفاعلة.
الخلاصة المؤثرة التي يؤشرها عبد الله إبراهيم أنّ التديّن السياسي (الإسلاموية السياسية بالتخصيص) لاشأن له بالثقافة لأنه يسعى لتخليق علاقة متوهّمة بين آيديولوجيا مواضعاتية صلبة (الدين والفقه) مع منتج دنيوي خالص، وبالطبع فإنّ الساعين لهذه العلاقة ليسوا غشماء الناس بل هم – ربما – أكثرهم مخاتلة ومكراً في إستثمار العواطف البشرية غير المهذّبة وتحويلها لتيار بشري فاعل في لعبة سياسية أكثر من كونها ثقافية. هم يكذبون وإن إدّعوا بغير هذا.
- الثقافة العربية وإشكالية العولمة والتطرّف : ربما يكون هذا المحور الحواري قد جوّد فيه عبد الله إبراهيم كثيراً لكونه يتناغم في خطوطه الفكرية مع دراسته الدقيقة لظاهرة المركزيات الغربية ؛ فهو يرى - وهو دقيق في رؤيته - أنّ العولمة تخليق آيديولوجي سعى لتسويق المركزية الغربية التي ساهمت (ربما من غير قصدية مسبقة) في إشاعة روح التطرّف والإرهاب في جغرافيات الهوامش الثقافية العالمية بعد أن صارت منكشفة أمام منتجات الثقافة الغربية ؛ الأمر الذي ساهم في تجذير حالة العجز والإنكفاء في خطاب ثقافي ماضوي باعتباره آلية دفاعية إزاء العولمة الثقافية الغربية الطاغية.
يتناول هذا المحور الحواري سؤالاً جوهرياً : لماذا ساهمت العولمة في ترسيخ ظاهرة التطرف والإرهاب في محضننا العربي، على العكس ممّا حصل في جغرافيات أخرى في العالم (جنوب شرقي آسيا على سبيل المثال) ؟ قدّم عبد الله إبراهيم جواباً معقولاً : نحنُ - العرب - لانتقنُ فنّ التخادم مع الآخرين ونفضّلُ النكوص إلى مرجعيات دينية وفقهية تقوم على نواة صلبة لاتتيحُ أية مرونة في التعامل مع المستجدّات، وعلينا أن نكون شجعاناً ونعترف أنّ هذه النواة الفقهية الصلبة جعلتنا نخسرُ فرصاً حقيقية في التنمية الثقافية والإقتصادية، لم نحاول - كما فعل اليابانيون والهنود - تحويل الدين إلى نسق ثقافي بين أنساق عدّة، وأعلينا شأن الخطاب الفقهي المتكلّس على خطاب النسق الثقافي الذي يحتملُ تقليب أوجه النظر والسلوك البراغماتي الساعي لإعلاء مناسيب الحياة الطيبة بدل جعلها حبيسة أقفاص دينية أو آيديولوجية مقفلة.
* * * * *
ثمة الكثير من موضوعات تستوجب التفكّر الدقيق في هذه الحوارية، سأعرضها هنا مع تعقيبات سريعة :
- نشوء سلفيات جديدة في المحيط الجغرافي العراقي
- التوتّر بين الحداثة ومابعد الحداثة : لسنا في حاجة إلى مصنّعات الثقافة مابعد الحداثية (الثقافة السائلة بحسب مفهوم زيغمونت باومان). نحنُ لم نتمثل بعدُ منتجات الحداثة ؛ وعليه يكون القفز إلى فضاء الثقافة السائلة مابعد الحداثية ضرباً من المغامرات الخطيرة التي قد تدمّرُ نسيجنا الثقافي والمجتمعي الحاضر في وقت نعاني فيه من هشاشة ثقافية خطيرة.
- العولمة الإمبراطورية أفضل من العولمة الدينية والقومية : العولمة الأمبراطورية (التي تشيرُ في ميدان الدراسات الثقافية إلى سيادة الحقبة الاستعمارية البريطانية) سعت لأنماط ثقافية محدّدة مثل مفهوم الأمة – الدولة Nation – State بكلّ مايرتبط به من حداثة في التعليم والإقتصاد ؛ لكن في المقابل نحنُ - العراقيين - لم نعرف كيف نتعامل مع هذه الحداثة وآثرنا في المقابل نمطاً من الشعبويات التي تعلي شأن عولمة إسلامية أو قومية. لننظر في واقعنا الآن : ماذا فعلت بنا العولمة الإسلامية، وقبلها العولمة القومية ؟ ؛ فكلتاهما أهدرتا القدرات الإقتصادية للعراق وجعلته ينكفئ في مستنقع آسن.
- التمييز بين الظاهرة القرآنية والمسألة التأويلية للنص القرآني : هذه موضوعة شديدة الخطورة وينبغي إيلاؤها أعظم الاهتمام، الملخص هو : لندع النص القرآني الموصوف بالقداسة حيث هو، ولنهتمّ بالتفصيلات التأويلية التي تعلي شأن التسامح وتخفّض مناسيب العنف، سيقول البعض أن هذا اجتهاد إنتقائي، ليكن هذا، لاضير ؛ إذ لاغباوة أعظم من أن نعظّم مناسيب المخالفة والعنف في تأريخنا وبكيفية منفّرة للآخرين، لماذا يكون الإسلاميون إنتقائيين في تخصيصهم القصدي لِـ (دار الاسلام ودار الحرب) في متبنياتهم الخطابية، و لانكون نحن إنتقائيين في لغة التسامح والتشبيك الثقافي ؟ أجاد عبد الله إبراهيم عندما أشار إلى أنّ كلّ دين له جانبه العنفي المخصوص به، ودورنا البشري هو إعلاء شأن الجوانب السلمية ودفع الموائل العنفية إلى الخلف، وهذا جزء من اللعبة البراغماتية البشرية المطلوبة مع النصوص الموصوفة بالمقدّسة.
- المقايسات التوصيفية للمجتمعات التي تعاني عنفاً متأصلاً : أجاد عبد الله إبراهيم عندما وضع مؤشرات قياسية مرجعية لسيادة الظاهرة العنفية فيها (كما هو حال مجتمعنا العراقي) :
1. لاتضعُ فاصلة بين المصالح الدينية والدنيوية
2. لاحدود مؤشرة لديها بين المُقدّس والمدنّس (الدنيوي بلغة الحداثة)
3. لم تترسّخ الحداثة التمدينية فيها (الحداثة تمظهرات ناجمة عن سيولة مالية تشتري المنتجات المادية للحداثة من غير أن تتمثّل المرجعيات الثقافية للتنوير الحداثي)
هذه مؤشرات دقيقة حاسمة، ويمكن النظر إليها بكونها مرجعيات قياسية.
- إلتباسات فكرة العلمانية : فكرة العلمانية واحدةٌ من أكثر الأفكار الملتبسة في فضائنا العراقي والعربي، وقد ساهم الإسلاميون في تشنيعها وتقبيحها بطريقة ماكرة للحفاظ على أرصدتهم الرمزية الفاعلة ؛ فقد دأب هؤلاء الاسلاميون على السعي الحثيث لإلصاق العلمانية بالفحشاء (تناول المسكرات وارتياد المسابح العامّة !!) ؛ في حين أنها - ببساطة - تعني الفصل بين الظاهرة الدينية والحواشي الدنيوية، وربما لهذا السبب أشار عبد الله إبراهيم إلى أفضلية إطلاق توصيف الدنيوية Worldiness على العلمانية.
* * * * *
حاضرنا ملتبس وينذر بمآلات خطيرة، ويتوجّبُ علينا أن نكون شجعاناً ونفقأ كلّ الدمامل الدينية والآيديولوجية المتورّمة إذا شئنا تحاشي الإنقراض الثقافي الذي سيكون مقدّمة طبيعية لانقراض بيولوجي بفعل عوامل الداروينية الإجتماعية. الزمن ليس في صالحنا : هذه بعضُ أطروحات عبد الله إبراهيم في حواريته الثرية مع سعدون محسن ضمد.
عبد الله إبراهيم، سعدون محسن ضمد : شكراً كبيرة لكما على هذه الوجبة الثقافية الشهية.