طالب عبد العزيز
في الوسط المثقف، كثيراً ما نخلع الكبير من الألقاب على أساتذة الجامعة، والعلماء والأطباء والشعراء والكتّاب والرسامين .. ونضعهم في المرتبة العليا، إجلالاً منا، ومعرفة بمكانتهم، فنفسح في المجالس لهم، ونقدمهم في الحديث، ونشير الى ما انجزوه، وقاموا به، وهو استحقاق نقدر ثمنه مثلما هو حق لهم علينا، لذا، فهم معززون مكرمون بيننا -نحن المثقفين- أو هكذا كما يُطلق علينا.
ولا شك فأن أمر هؤلاء موضع احترام الكثير من العامة، وتقديم كلمة ( دكتور أو أستاذ) على اسمائهم يوحي بتميزٍ عال، وتحايا الصباح والمساء من الأهل والجيران، وصاحب الدكان، وبائع الفاكهة وغيرهم تفصح عن ودٍ وتقدير كبيرين في مجمل العلاقة التقليدية، ما لم يكن هناك إحتدام، حيث سيختلف الأمر هنا في أول مواجهة مع الكثير منهم، وستكون ردة الفعل مخيبة للآمال، وسيفقد (الأستاذ والدكتور والفيلسوف) هيبته في مجلس العشيرة، إذا كان في جماعة المُعْتدين، مثلما سيُوصم بالجبان والخوّاف إذا لم يحمل هو وأبناؤه سلاحهم إذا كانوا في الطرف المُعْتدى عليهم، ولا تسأل عن الحق والباطل هنا، فالكل على حق، وهناك غلبة وتفاخر ومرتبة اجتماعية تعرضت للخطر.
وهنا، نقول بأنَّ القيمة الفعلية لطبقة المثقفين بنيت على وهم وخداع، ولم تبنَ على أساس حقيقي في أذهان وأفعال العامة، إنما هي مقولات سطحية وإعتبارت اجتماعية، غير ملزِمة لهم، على خلاف القيمة العليا والراسخة في أذهانهم عن رجل الدين ورجل العشيرة(السيد والشيخ) وهذا ما تفعله الأمّية في المجتمعات، هذا ما يفعله التخلف في مفاصل الحياة بعامة، في الأنظمة الديمقراطية تتحقق الأهمية والمكانة الفعلية للأستاذ، ويصبح دوره محورياً في صناعة الحياة، ويتلمس العامة والخاصة أهمية وجوده، بوصفه العالم، وغير المستثنى في القرار الحكومي، لكنه يفقد ذلك كله، ويصبح بلامعنى في الأنظمة القبلية والدينية، ويكشف له عن خواء التقدير والتبجيل ذاك. لقد بنيّ نظامنا السياسي في العراق ومنذ تأسيسه الدولة على أساس متوالية الدين والعشيرة.
لن تؤدي البذلة الانيقة، والرباط الأحمر، والسيارة الفارهة، والبيت الواسع الكبير والحارس الليلي ووو أدوارها الحقيقية في إضفاء أي مرتبة على المثقف ذاك، ولن يكون ذلك كله بمنأى عن الرصاص إن كان ضمن فريق المعتدين، ومهما قربت أو بعدت درجة القرابة بينه والشخص المطلوب، وسيجد البيت وسكانه بأرضية الغرف وأسفل السلم ملاذاً لهم عن الموت وأكثر مما تؤمنه درجة أبيهم العلمية، ولن يجد بين فريق المعتدين من ينصفه بقوله ( عيب هذا بيت الدكتور فلان.) أبداً، ولن يجد من يصغي له في مركز الشرطة، فهو رقم هام هناك، ودرجة الانتفاع منه ستكون كبيرة.
نجد في صورة رئيس الوزراء الكندي أوالنرويجي أو الاسترالي وهو يركب الدراجة الهوائية أو يستعمل القطار شيئاً من الطرافة، وقد يستغرب بعضنا من المشهد فيثير الأسئلة عن ما إذا كان فقد قيمته كرئيس؟ في الأنظمة الديمقراطية لا وجود لخداع أحد، وقيمة الإنسان لا تتأثر لأنه لا يكذب ولا يخادع ولا يماري، فهو لم يركب الدراجة ليري الناس تواضعه، والناس تحترمه لأنه يستحق. هكذا ببساطة.