TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: بغداد الخليفة المقتدر وبغداد اليوم

قناطر: بغداد الخليفة المقتدر وبغداد اليوم

نشر في: 19 مايو, 2021: 09:56 م

طالب عبد العزيز

من يتصفح كتاب (العامة في بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجريين) فهمي عبد الرزاق سعد، لن يفاجأ بما تطالعه أخبار العراق اليوم من قصص الفساد واستقواء بعض الجماعات المسلحة على الدولة، ولعل ما أنفقه السادة رؤساء الحكومات السابقين يذكّرنا بما قام به الحسن بن الفرات، وزير المال في عهد الخليفة المقتدر العباسي(قتل 320 هجرية) الذي عرف بفساده وسرقة المال العام والإنفاق الطائل والتبذير، فقد كان يقبض المبالغ، وهي حق لبيت المال، لكنها لا تدخل في واردات الدولة.

وتعيد الى الأذهان قصة خلافة المقتدرسنة 295 ثم خلعه سنة 296 هجرية وعودته لها ثانية، بعض ما شهدناه في خلافة رئيس الوزراء الأسبق والرؤساء السابقين، حيث يذكر ابن مقلة بأن ابن الفرات أضاف على بيعة المقتدر مبلغ 700 ألف دينار نقلها الى داره، ولم يكتف بذلك، فقد خصّ الخليفةُ الموظفين بإقطاعات ورواتب، وبلغ إقطاع الوزير في عهد المقتدر 170 ألف دينار ومبالغ عن خِلعٍ (ثياب) بعشرين ألف دينار، ويُخصَون بدار مفروشة ومؤثثة، ويعطوَن رواتب بمقدار خمسة آلاف دينار، وكان الخاقاني قد أعطى ولديه مخصصاً شهرياً من بيت المال قدره 1500 دينار.

واستشرى الفساد في عهد الخليفة المقتدر بما يذكرنا أيضاً بطرائق الفساد في بلادنا اليوم، فيذكر مسكوية عن (ابن قرابة) للمقتدر بعض وجوه الفساد تلك، والتي منها، أن الوزراء والموظفين كانوا يلجأون الى تسجيل أرزاق قوم لا يحضرون الدواوين، وتنظيم قوائم باسماء قوم وهميين(الفضائيين) وإطلاق أموال للغِلمان والوكلاء في دار الخلافة والحاشية، على أنهم من الفقهاء والكتّاب، وما كان يطلق لهم من الورق والقراطيس والأموال الكثيرة، ولا يشترى إلا ببعضه مما يحتاج اليه. سبحان الله، سنتذكر ما كانت تعرضه السيدة ماجدة التميمي، وبعض أعضاء اللجنة المالية في البرلمان من وثائق خاصة بنفقات الطعام والأثاث والقرطاسية.

ولعلنا لا نفاجأ بقضية بيع المناصب في الدولة العراقية اليوم، إذا علمنا بان ضعف الدولة العباسية أدى بالكثير من الولاة والقادة الى ضمان الأراضي من الخليفة، بعد إحكام سيطرتهم عليها، فيضطر الخليفة لاقرارهم على ما تضمنوا. ففي سنة 296 هجرية ضمن ابن ابي الساج ارمينية واذربايجان مقابل 120 ألف دينار، فيما كان خراجها في عهد المامون 17 مليون درهم.وكان هرون بن خمارويه قد ضمن مصر والشام من المعتضد سنة 286 هجرية بمبلغ 450 ألف دينار، بينما كان خراجها حسب قائمة علي بن عيسى سنة 306 هجرية 2,7 مليون دينار.

واذا كان الضامنون قد اثروا فان العسكريين(أصحاب الحروب) كانوا يحصلون على أرباح مضاعفة، فهذا يعقوب بن الليث الصفاري قد خلف في بيت ماله خمسين مليون درهم، وهذا خلف الراسبي متقلد نيسابور 301 هجرية قد ترك مليون دينار من الذهب والفضة والثياب. هل نقول شيئاً جديداً في قضية استيلاء بعض القادة العسكريين والسياسيين وزعامات الأحزاب على مراكز الشرطة والمديريات والمطارات والموانئ ونقاط التفتيش في عراق ما بعد 2003 ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عدي باش

    ما أشبة اليوم بالبارحة .. حاضرنا البائس إمتداد لأمسنا التعيس ، حيث الفاسد و شراء الذمم قاسمهما المشترك

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram