طالب عبد العزيز
من يتصفح كتاب (العامة في بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجريين) فهمي عبد الرزاق سعد، لن يفاجأ بما تطالعه أخبار العراق اليوم من قصص الفساد واستقواء بعض الجماعات المسلحة على الدولة، ولعل ما أنفقه السادة رؤساء الحكومات السابقين يذكّرنا بما قام به الحسن بن الفرات، وزير المال في عهد الخليفة المقتدر العباسي(قتل 320 هجرية) الذي عرف بفساده وسرقة المال العام والإنفاق الطائل والتبذير، فقد كان يقبض المبالغ، وهي حق لبيت المال، لكنها لا تدخل في واردات الدولة.
وتعيد الى الأذهان قصة خلافة المقتدرسنة 295 ثم خلعه سنة 296 هجرية وعودته لها ثانية، بعض ما شهدناه في خلافة رئيس الوزراء الأسبق والرؤساء السابقين، حيث يذكر ابن مقلة بأن ابن الفرات أضاف على بيعة المقتدر مبلغ 700 ألف دينار نقلها الى داره، ولم يكتف بذلك، فقد خصّ الخليفةُ الموظفين بإقطاعات ورواتب، وبلغ إقطاع الوزير في عهد المقتدر 170 ألف دينار ومبالغ عن خِلعٍ (ثياب) بعشرين ألف دينار، ويُخصَون بدار مفروشة ومؤثثة، ويعطوَن رواتب بمقدار خمسة آلاف دينار، وكان الخاقاني قد أعطى ولديه مخصصاً شهرياً من بيت المال قدره 1500 دينار.
واستشرى الفساد في عهد الخليفة المقتدر بما يذكرنا أيضاً بطرائق الفساد في بلادنا اليوم، فيذكر مسكوية عن (ابن قرابة) للمقتدر بعض وجوه الفساد تلك، والتي منها، أن الوزراء والموظفين كانوا يلجأون الى تسجيل أرزاق قوم لا يحضرون الدواوين، وتنظيم قوائم باسماء قوم وهميين(الفضائيين) وإطلاق أموال للغِلمان والوكلاء في دار الخلافة والحاشية، على أنهم من الفقهاء والكتّاب، وما كان يطلق لهم من الورق والقراطيس والأموال الكثيرة، ولا يشترى إلا ببعضه مما يحتاج اليه. سبحان الله، سنتذكر ما كانت تعرضه السيدة ماجدة التميمي، وبعض أعضاء اللجنة المالية في البرلمان من وثائق خاصة بنفقات الطعام والأثاث والقرطاسية.
ولعلنا لا نفاجأ بقضية بيع المناصب في الدولة العراقية اليوم، إذا علمنا بان ضعف الدولة العباسية أدى بالكثير من الولاة والقادة الى ضمان الأراضي من الخليفة، بعد إحكام سيطرتهم عليها، فيضطر الخليفة لاقرارهم على ما تضمنوا. ففي سنة 296 هجرية ضمن ابن ابي الساج ارمينية واذربايجان مقابل 120 ألف دينار، فيما كان خراجها في عهد المامون 17 مليون درهم.وكان هرون بن خمارويه قد ضمن مصر والشام من المعتضد سنة 286 هجرية بمبلغ 450 ألف دينار، بينما كان خراجها حسب قائمة علي بن عيسى سنة 306 هجرية 2,7 مليون دينار.
واذا كان الضامنون قد اثروا فان العسكريين(أصحاب الحروب) كانوا يحصلون على أرباح مضاعفة، فهذا يعقوب بن الليث الصفاري قد خلف في بيت ماله خمسين مليون درهم، وهذا خلف الراسبي متقلد نيسابور 301 هجرية قد ترك مليون دينار من الذهب والفضة والثياب. هل نقول شيئاً جديداً في قضية استيلاء بعض القادة العسكريين والسياسيين وزعامات الأحزاب على مراكز الشرطة والمديريات والمطارات والموانئ ونقاط التفتيش في عراق ما بعد 2003 ؟
جميع التعليقات 1
عدي باش
ما أشبة اليوم بالبارحة .. حاضرنا البائس إمتداد لأمسنا التعيس ، حيث الفاسد و شراء الذمم قاسمهما المشترك