د. فالح الحمـراني
شهدت العقود الأخيرة أمثلة صارخة في مختلف أنحاء العالم، على استثمار القوى اللاديمقراطية، والقومية الشوفينية والشعبوية، والأنظمة الديكتاتورية والشمولية، مبادئ وأسس الديمقراطية المعرفية للصعود للسلطة، ومن ثم إقامة أنظمة غير ديمقراطية وخيانتها للشعارات والأهداف التي أعلنتها في برامجها الانتخابية.
وبالتالي تعمل على احتكار السلطة بيد دائرة ضيقة من النخبة السياسية المستفيدة، لتكون صاحبة القرار السياسي، وتوزع المناصب السيادية بينها، وتسن القوانين للحد من نشاط المعارضة الفعلية، وتحرم المجتمع من التعبير عن موقفه من أنشطتها، وتقمع احتجاجاته، وتسحق إرادته، وتهمش دور منظمات المجتمع المدني الفعالة، وتجعل من أجهزة الأمن والجيش ومؤسسات القوة الأخرى وسيلة بيدها لحماية نظامها والفتك بالقوى التي تتخطى ما تصفها بالخطوط الحمر التي تضعها بنفسها. أي كل قوة تشكل تهديداً لسلطتها، حتى وإن كانت سلمية المنزع.
وتستخدم الأنظمة السياسية الاستبدادية والشمولية وغير الديمقراطية بطبيعتها الأيديولوجية، وأهدافها من السلطة، الانتخابات القائمة على المبادئ المعروفة، كأداة للتلاعب السياسي بالرأي العام من أجل الحفاظ على الأنظمة المعادية للديمقراطية وتعزيز نهجها. إن هذا الاستغلال للانتخابات كأداة قانونية لإضفاء الشرعية وتبرير السلطة، هو سمة خاصة للأنظمة الدكتاتورية الحديثة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الأخرى.
ومن ملامح الانتخابات غير الديمقراطية إنها لا تعيد توزيع السلطة بين القوى السياسية المختلفة في البلاد، ولا تحدد تكوين الهيئات الحكومية (الرؤساء والبرلمانات والحكومات ورؤساء الأقاليم والحكم الذاتي المحلي). هذه دائماً "اختيارات بدون خيار".
إن تواتر هذا النوع من "الانتخابات" إما لم يتم إثباته أو لم تتم ملاحظته، كقاعدة عامة، ولا يجري عادة تنفيذها بشكل منهجي، ولكن "بدافع الضرورة" أو في الأوقات المناسبة لها، وفي ظل قوانين تضعها بنفسها، من أجل تأمين فوزها، مع العديد من الانحرافات عن القواعد والإجراءات الديمقراطية.
وتكون الهيئات التمثيلية للسلطة (البرلمانات) "المنتخبة" من خلال انتخابات غير ديمقراطية ، كقاعدة عامة ، مزيفة وليس لها دور سياسي أو تكون أداة بيد بعض القوى المهيمنة لتمرير قوانينها وسياساتها، والغرض منها هو أن تكون "مسرحاً سياسياً" ، لتظهر بمهارة الديمقراطية الواقعية غير الموجودة لنظام السلطة الديكتاتوري (الاستبدادي أو الشمولي).
وقد يطرح سؤال عادل: لماذا يتم إجراء مثل هذه "الانتخابات الزائفة بدون خيار"؟ وفي هذا الصدد ، هل يقتصر دورهم في المجتمع على تقليد تغيير السلطة؟ وتكمن الإجابة في الوظائف أو المهام التي صممت هذه الاختيارات من أجل تحقيقها.
لابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن من الوظائف الرئيسة للانتخابات غير الديمقراطية هي إضفاء سمات الشرعية والاحترام على النظام السياسي القائم. إن الانتخابات من هذا النوع تمنح القوى اللاديمقراطية والديكتاتوريين الحق الرسمي في "الحكم نيابة عن الشعب". إن مثل هذه الانتخابات تخلق الوهم لدى السكان بأنهم محكومون من قبل "قادة الشعب"، إن عملية المشاركة في الانتخابات في حد ذاتها تزيد من ثقة المواطنين في شرعية الحكومة ومسؤوليتها، وليس من قبيل المصادفة أن الانتخابات كوسيلة قانونية لإضفاء الشرعية على السلطة السياسية السلطوية وتعزيزها قد استخدمت منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، إن تثبيت النظام القائم من خلال " الدمج السياسي" ( بالرشوة) لبعض أطراف المعارضة الانتهازية، أو النظر الجزئي لمطالبها، هذه الوظيفة هي أيضا سمة من سمات الانتخابات التي تنظمها الأنظمة الديكتاتورية للحفاظ على وتقوية سلطتها الاستبدادية.
كما تهدف الانتخابات غير الديمقراطية إلى تخفيف حدة التوتر السياسي في المجتمع "إبعاد الضغوط المتزايدة"، فالانتخابات تخفف حدة الاستياء الجماهيري، و "تطفئ" عدم الرضا على الحكم الديكتاتوري المتراكم في المجتمع، إنهم يجددون في الوعي الجماهيري الأمل في التغيير نحو الأفضل ، ويلعبون دور نوع من الصمام الاجتماعي النفسي الذي يقلل من حدة التوتر السياسي في المجتمع.
كما قد تكون في بعض الحالات بمثابة الضمان لانتقال محتمل للسلطة غير عنيف إلى الديمقراطية ، بغض النظر عن إرادة النظام. وفي ظل ظروف معينة ، يمكن أن تكون الانتخابات في الأنظمة الاستبدادية جسراً للانتقال إلى الديمقراطية. من بين هذه الشروط تليين أو إضعاف الميول الاستبدادية في السلطة لسبب أو لآخر ، بالإضافة إلى إدخال المبادئ الديمقراطية في النظام الانتخابي الحالي - حرية التعبير ، ونظام التعددية الحزبية ، والتناوب ، وما إلى ذلك سنوات من القرن الماضي.
إن مفهوم الانتخابات السياسية تعني الانتخابات بالمعنى الأكثر عمومية للكلمة، إذ تقوم من خلاله مجموعة معينة من الأشخاص بترشيح ممثل واحد أو أكثر من بينهم ويمنحهم الصلاحيات والوسائل اللازمة لأداء أي وظائف عامة، غالباً ما يستخدم هذا الإجراء في المجالات الصناعية والتجارية والعلمية والتعليمية والعديد من المجالات الاجتماعية المحلية نسبياً للنشاط البشري.
السمة المميزة الرئيسة للانتخابات في السياسة، هي أن هدفها هو سلطة الدولة ، التي تمتد وظائفها أو تؤثر على جميع مجالات الحياة العامة، وموضوعات هذه الانتخابات هم المجتمع والشعب الذي يمثله الناخبون والمرشحون الذين يطالبون بحق تمثيل مصالح ناخبيهم في الجهات ذات الصلة، في المقابل ، فإن الصراع أو التنافس من أجل الاستيلاء على السلطة واستخدامها هو جوهر السياسة.
بأي طرق يمكن الحصول على السلطة السياسية؟ الأكثر شيوعاً من بينها ثلاث طرق من هذا القبيل: الإرث (خلافة العرش) ، أي انتقال السلطة بالقرابة من الأبوين إلى الأبناء، إنه قائم على التقاليد كمعيار معترف به بشكل عام في مجتمع معين. وراثة السلطة هي سمة من سمات الشكل الملكي للحكومة.
وعن طريق العنف ، أي الاستيلاء على السلطة من خلال انقلاب أو ثورة اجتماعية. وهذه الوسيلة، كقاعدة عامة ، تقوم على أساس العنف الجسدي وغيره من أشكال العنف لبعض المجموعات من الناس أو الطبقات الاجتماعية ضد الآخرين.
إن كلا الطريقتين الأولى والثانية لتغيير الحكومة ليستا ديمقراطيتين ، لأنهما لا تعتمدان على إرادة الشعب بأكمله، والنتيجة هي إقامة أنظمة سياسية دكتاتورية استبدادية، لأن "أي دولة تحكمها السلطة ، بغض النظر عن الانتخابات والسيطرة الشعبية ، هي دولة سلطوية". إن الاختلاف الأساسي بين الأسلوب التالي لاكتساب أو تغيير السلطة عن الطريقتين السابقتين ، على العكس من ذلك ، يرتبط بالمشاركة السياسية النشطة للشعب في حل قضية السلطة ، أي مع الديمقراطية. وهذه الطريقة هي الانتخابات.
الانتخابات وسيلة للوصول إلى لسلطة من خلال التنافس السياسي السلمي بين المرشحين على كسب ثقة الناخبين. هذه الطريقة مكرسة في دستور الدول وينظمها فرع خاص من القانون - التشريع الانتخابي، ولا تقتصر الانتخابات على الإجراءات الفنية للتصويت وفرز الأصوات ، كما هو شائع على مستوى الوعي العادي. التصويت وتوزيع الأصوات على أساس نتائجه هي مرحلتها الأخيرة ، الوتر الأخير، ففي العلوم السياسية ، تُفهم الانتخابات على أنها "عملية دورية منتظمة لانتخاب تكوين الهيئات والمسؤولين في الدولة والحكومة المحلية ، المنصوص عليها في دستور الدولة وتنظمها قوانين خاصة ، من خلال التعبير عن إرادة المواطنين".