علي حسين
عندما قرر الروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا، التوجه صوب بكين، كان قد قرر أن يبدأ رحلة شيقة في عالم ضاج بالمواقف والحروب والسجالات الثورية . كان يريد أن ينير للغرب لغز الصين من الداخل، ويخبرنا في مقدمة كتابه الشهير "ثورة ماو الثقافية" أن أول سؤال واجهه بعد عودته من رحلته الشيقة هذه كان: ما أعظم شيء أثر فيك هناك؟ فكانت إجابته واضحة: الفقر.كان ذلك عام 1967 .
في رحلته التي استمرت أسابيع كان فيها مورافيا يسأل العمال والفلاحين ، وأخيراً تحدث مع ماو، عن رؤيتهم للصين الجديدة، فكانت إجابتهم واحدة: الانتصار في الحرب ضد الرجعية والفقر .
وكان مورافيا يريد أن يتحدث في السياسة، فوجد أن الرجل الثاني في الصين "شو إن لاي" يفلت بكل مهارة من شرك الأسئلة السياسية ليتحدث عن بلاده وعاداتها ومكانة الفلسفة الشعبية والبعد الثقافي فيها، وعندما يجد أن مورافيا يلح في الأسئلة، يبتسم وهو يقول له: "دعك من السياسة إنها بضاعة فاسدة" .
في تموز القادم ستحتفل الصين بمئوية حزبها الشيوعي، من دون عقائد جامدة ولا نظريات ثورية، ولا خطابات للقتال، حيث تغيب فيها رؤية مورافيا للفقر ، وتحل محلها دولة تزاحم أمريكا على صدارة الاقتصاد العالمي، وتتحول مدنها بفضل الاقتصاد والتنمية من بيوت فقيرة منسية في أطراف الريف إلى مدن تنافس نيويورك وطوكيو.
قاتلت الصين بكل بسالة من أجل القضاء على وباء كورونا، فيما يتقاتل ساستنا على أن يكون برلماننا صناعة لا تحمل ماركة العراق.. اليوم في العراق الكل يتغنى بالنموذج الصيني، لكنهم لا يعرفون بماذا يفكر الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ الذي أصبحت أفكاره جزءاً من دستور البلاد؟، كان الشاب الطموح يتذكر أنه استمع يوماً إلى باني الصين الحديثة دنغ هسياو بنغ وهو يقول: "لا يهم ما يكونه لون القط أبيض أو أسود المهم أن يصطاد الفأر" .
يقول جينبينغ للصحفيين وهم يسألونه عن نظرته للمستقبل: "في شبابي كنت أقرأ كونفوشيوس كثيراً وظلت في ذاكرتي عبارته التي يقول فيها "إن السياسة هي الإصلاح، فإذا جعل الحاكم نفسه أسوة حسنة لرعيته، فلن يجرؤ أحد على الفساد" .
تتذكرون ما قاله "كونفوشيوس العراق" إبراهيم الجعفري: عندما يتهدد مصيرنا سيخرج المارد المعنوي من القمقم، وعندما خرج الشباب من قمقم المحاصصة والفساد، أطلقوا عليهم الرصاص وقنابل الغاز ونعتوهم بـ"الجوكر" .
نتذكر مع الصين وهي تحتفل بمئوية الحزب الشيوعي ما قاله دنغ هسياو بنغ ذات يوم "إذا أردت أن تعبر النهر عليك أن تتحسس الأحجار التي في أعماقة كي تتمكن من العبور بأمان".