وزارة الموارد المائية: إجراءات أمانة بغداد غير كافية و التلوث ما يزال موجوداً
بغداد/عديلة شاهين
لم يعرف علي يوماً طريقاً إلى المستشفى إلا بعد أن بلغ من العمر ٤٠ عاماً، حين شعر بألم حاد كاد أن يقطع أحشاءه، وعلِم فيما بعد أنه مغص كلوي اشتد عليه بصورة مفاجئة، و بعد إجراء الفحوصات تبين أنه مصاب بمرض الفشل الكلوي،
لذا وقف في طابور المستشفى ينتظر دوره لغسيل الكلى، وكانت تبدو عليه ملامح الإعياء بسبب حرارة الجو التي مارست طبيعتها في الإجهاز على ما تبقى من قطرات ماء ترطب حلقه أثناء الانتظار!
وبين كلمات كان يهمهم بها، أخذ علي ينعى حظه و سوء حالته الصحية التي أثقلت كاهله قائلاً: تفاجأت بسؤال الطبيب هل تشرب من ماء الصنبور؟.. تلك العبارة كانت مخيفة لأنني استخدم ماء الصنبور للشرب دائماً بعد فلترته بثلاثة فلاتر !
وتعد هذه الحالة حلقة من مسلسل متعدد الحلقات ودائم العرض على مدار سنوات طويلة في العراق، وبحسب دراسات لأطباء أخصائيين في أمراض الكلى فإن أعداد المرضى المصابين بمرض الفشل الكلوي أو الكسل الكلوي ترتفع شهرياً وذلك يعود الى نوعية مياه الشرب.
وكانت وزارة الموارد المائية قد أعلنت في السنوات السابقة أن الموارد المائية متضررة من عملية تلوث المياه، بالإضافة الى التجاوزات من خلال رمي المخلفات الثقيلة والنفايات في الأنهر بالرغم من وجود قوانين تمنع هذه الممارسات.
بدورها، أكدت أمانة بغداد في تصريحات عدة سلامة الماء المنتج في مشاريع المياه وثبوت صلاحيته للاستهلاك بعد إجراء جميع الفحوصات المختبرية اللازمة، وإن الفرق الفنية العاملة بمختبرات فحص الماء تواجه بعض السلبيات منها قلة وعي المواطنين بأهمية المياه الصالحة للشرب وتقنين استخدامها، وعدم مصداقية البعض منهم بالجهود التي تبذلها مختبرات الدائرة، الى جانب وجود العشوائيات والمناطق غير المخدومة وتجاوزها على المناطق المجاورة ذات الشبكات الأصولية مما يؤدي الى التغيير في مواصفات الماء وصلاحيته.
(المدى) قامت بجولة للتعرّف على نوعية المياه الآمنة للاستخدام البشري، لكن أرض الواقع كشفت الكثير من المعلومات في سياق التحقيق الآتي:
في مواجهة التلوث
الناطق الإعلامي لوزارة الموارد المائية السيد علي راضي يقول في حديث خاص لـ(المدى) قائلاً: هنالك قرارات وتعليمات أصدرتها الوزارة للحد من تلوث المياه وأن الوزارة معنية بإدارة المياه الخام حصراً وإيصالها لمحطات الإسالة، مضيفاً: عندما نتحدث عن تنقية و تصفية و معالجة المياه و ضخها من خلال شبكة الأنابيب لتصل الى المساكن فهذه العمليات من مسؤولية أمانة بغداد في محور المدينة و دوائر البلدية في المحافظات و ليست من مسؤولية وزارة الموارد المائية.
وأكد: تعاني وزارة الموارد المائية من القطاع الخاص وبعض الجهات الحكومية المسببة لتلوث المياه كمحطات المعالجة و محطات المجاري والمصانع و المستشفيات والمحطات الكهرومغناطيسية ومحطات الغسل والتشحيم أيضاً رمي الحيوانات النافقة في النهر، كل هذه الممارسات هي مسببة لتلوث الأنهر و شبكات الري.
ويوضح: إنه بالرغم من وجود قرارات و محددات و ضوابط خاصة بوزارة الموارد المائية ، إلا أنه لم يتم تطبيقها لذا عملت الوزارة على رفع و منع التجاوزات على الموارد المائية و أقامت عدداً من الدعاوى القضائية على الجهات الملوثة للمياه ، و هذا الملف مدعوم من الحكومة المركزية و دولة رئيس الوزراء و من مجلس القضاء الأعلى و كذلك الجهات الأمنية و الحكومات المحلية في المحافظات .
وأشاد باستجابة أمانة بغداد لإعادة تأهيل محطة المعالجة في مشروع الرستمية و التعاقد على إنشاء محطة معالجة جديدة مع إعادة تأهيل المحطة القديمة و تطويرها لتكون مناسبة لمعالجة مخرجات محطات المجاري و تحويلها الى مياه صالحة للاستخدام.
و أوضح أن هذا الإجراء غير كاف و نحتاج الى إجراءات أخرى لأن التلوث ما يزال موجوداً.
إجراءات ضرورية
و أشار الناطق باسم وزارة الموارد المائية الى دور الوزارة في الحد من التلوث قائلاً: لدينا تنسيق مع وزارة البيئة بشكل مستمر لأخذ عينات من نهر دجلة أو نهر الفرات و قياس نسبة التلوث الموجودة في مواقع معينة من النهر التي قد تصل في بعض المواقع الى أكثر من ٤٠٪ ، و هي نسبة عالية جداً ،و عندما تصل نسبة التلوث الى هذا المستوى تبادر الوزارة بالتنسيق مع دوائر البلدية أو مع أمانة بغداد و محطات الإسالة لمعالجة الحالة ،و من الحالات التي واجهتها الوزارة هي احتياجها بأن تطلق كمية كبيرة من المياه في نهر ديالى من أجل تنظيف مقطع النهر و عملية تغذية نهر دجلة بحصة إضافية و قد لاحظنا انجراف كبير لنواتج محطة الرستمية التابعة للمديرية العامة للمجاري في أمانة بغداد و عدم سحب المياه من نهر دجلة بسبب تلوث المياه في ذلك الوقت و بالتالي قمنا بتوجيه إنذار الى محطات الإسالة ، و من الإجراءات الأخرى التي باشرت بها الوزارة هي إزالة الكثير من المواد الملوثة و الموجودة على أعمدة النهر و رفع منافذ التلوث
تصريف المياه و إنشاء المحطات
و في معرض رده على أسئلة (المدى) حول كيفية تصريف مياه المجاري قال الناطق الإعلامي باسم وزارة الموارد المائية: تمنع وزارة الموارد المائية تصريف مياه المجاري و المياه الثقيلة الى شبكات الري و البزل لذا ندعو دائماً الى استكمال مشاريع المجاري الكبيرة في بغداد و المحافظات و إنشاء محطات المعالجة اللازمة لها من أجل دفع هذه المياه باتجاه الخطوط الناقلة ، لذا تدعو الوزارة دائماً الى إنشاء محطات الإسالة و محطات تنقية المياه على الأنهر الرئيسة مضمونة الجريان ، لأن عملية إنشاء هذه المحطات على الأعمدة الرئيسة مهم جداً ، و من الملاحظ في بعض المحافظات أن الكثير محطات الإسالة الصغيرة تم إنشاؤها على شبكات الري الفرعية و على قنوات الري الفرعية التي تخدم مناطق معينة و بالنتيجة عند نزول مستوى مياه الأنهر الرئيسة أو عند وجود شح مائي سنواجه مشكلة في إدامة تشغيل هذه المحطات و توقفها لذلك نؤكد على ضرورة الابتعاد عن المحطات الصغيرة و اللجوء الى المحطات و المشاريع الكبيرة و من الممكن مد شبكات من هذه المحطات وصولاً الى كل نقطة مأهولة بالسكان لإيصال الماء الصالح للشرب ، و توجد مخاطبات أيضاً بين وزارة الموارد المائية مع الدوائر ذات العلاقة و في جميع المحافظات من أجل إدامة و تشغيل محطات الإسالة و ضمان وصول المياه للمستخدمين .
حقوق الإنسان
من جانبه، تطرق د. علي أكرم ﺍﻟﺒﻴﺎﺗﻲ عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، ومسؤول ملف الصحة في المفوضية الى القوانين التي تكفل حق المواطن بالمياه قائلاً: على الصعيد الوطني، لم يتطرق الدستور العراقي النافذ لعام 2005 المعدل بشكل مباشر للحق في الماء الصالح للشرب ولكن هنالك صلة بالحقوق الأخرى ، حيث نص على ذلك الباب الثاني الفرع الثاني الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المواد (30) التي تكفل العيش الكريم والسكن الملائم والمادة (31) كون الحق بالمياه يرتبط منطقياً مع الحق في الصحة ، و تنص المادة (33) لكل فرد الحق في ظروف بيئية سليمة و المادة (110) فيما يخص عمل الحكومة الاتحادية في توزيع المياه ، أيضاً قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981 المعدل، و بحسب قانون الري رقم (83) لسنة 2017المادة (3) التي تحتم عى وزارة الموارد المائية تعيين الحصص المائية وتوزيع المياه والإشراف عليها، ويوضح قانون (27) لسنة “1999الهيئة العامة للماء والمجاري “الذي يهدف الى توفير وتجهيز مياه الشرب و الماء الخام وتصريف مياه الصرف الصحي ومياه الإمطار في جميع أنحاء العراق حسب الحاجة وفق تخطيط بعيد المدى.
وأضاف: على المستوى الدولي العراق طرف في الاتفاقية الدولية ( العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) تحديداً المادة (11) و (12) .
إحصائيات
و أشار عضو مفوضية حقوق الإنسان د. علي البياتي الى الإحصائيات التي حصلت عليها المفوضية بخصوص تلوث المياه قائلاً: نظراً لعدم تعاون المؤسسات الحكومية في توفير قاعدة بيانات إحصائية من المصادر الرسمية ، إلا أن المفوضية تسعى الى الحصول على بعض الإحصائيات من مصادر أخرى أو تقارير صادرة من جهات أخرى ففي البصرة مثلاً و بموجب إحصائيات ، إن عدد الحالات السرطانية (800) شهرياً في عام 2019 ، و (2308)في عام 2018و عدد حالات التسمم (131) ألف لعام ٢٠١٨ و بالنسبة للأمراض المسجلة نتيجة تلوث المياه (الجلدية والهضمية ، الإسهال الحاد ، التقيؤ والألم في البطن ) تصل الى (118) ألف شخص، أما تلوث مياه شط العرب بشكل مباشر يصل الى (63،120) م 3/ سا وبشكل غير مباشر يصل الى (88،515) م3/ سا.
وأوضح: أيضاً من خلال الرصد الميداني وتلقي شكاوى المواطنين، لدى المفوضية إشارات عدة منها:
- وجود انتهاك لحق المواطن في الحصول على المياه الصالحة للشرب في بعض المحافظات العراقية وبصورة خاصة في مناطق العشوائيات كونها غير نظامية و المناطق النائية مما يؤشر وجود حرمان من هذا الحق .
- أشرت الآثار الجسيمة المترتبة من تلوث المياه وانتشار الأمراض السرطانية .
- التلكؤ في تنفيذ مشاريع التصفية والتحلية للمياه في بعض المحافظات منها البصرة .وبعض مناطق بغداد في الأقضية والنواحي .
- خروقات الاتفاقيات الدولية بين الدول المجاورة بما يخص إطلاق الحصة المائية من المنبع وذلك كان له الأثر الكبير في عدم الحصول على المياه الصالحة للشرب .
- عدم التخطيط والقصور في البنية التحتية لإدارة ملف المياه .
- تكاثر الطحالب السامة في مياه شط العرب
- ضعف أنظمة الرصد وعدم وجود متابعة وتحليل لها
- عدم وجود رقابة على معامل ومحلات تصفية المياه التابعة للقطاع الخاص
- تهالك شبكات الصرف الصحي وتقادمها وعدم كفايتها وعدم مراعاة التوسع الحضري للمحافظات والتجاوز على شبكة الأمطار
دعاوى قضائية و تقارير
وتابع عضو مفوضية حقوق الإنسان أنه استنادا ً الى الولاية القانونية للمفوضية في استقبال الشكاوى وتوثيق الانتهاكات تم رفع دعاوى قضائية الى مجلس القضاء الأعلى / جهاز الأدعاء العام ضد المؤسسات الحكومية الصحية، حيث يعتبر تلوث المياه انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان ، و على الصعيد الدولي تضمين انتهاكات تلوث المياه في التقارير المعنية بواقع حقوق الإنسان والتقارير التعاهدية لتقديم توصيات الى العراق لتكون ملزِمة دولياً بتنفيذها .
و أضاف: قدّم العراق التقرير الطوعي الأول حول أهداف التنمية المستدامة حيث يعد الهدف (6) من أهداف التنمية المستدامة (المياه النظيفة والنظافة الصحية ) وألزم العراق حماية نوعية المياه وتحسينها من خلال خطة التنمية الوطنية 2018-2022 ، إلا أن التقرير لم يشر الى التقدم المحرز في تنفيذ الهدف (6)
- احترام المعايير الدولية وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان في الالتزام بالحصة المائية من دول المنبع وإدارة ملف التفاوض بشكل يضمن حصول المواطن على قدر كاف من المياه الصالحة للشرب عملاً بما ورد بالمادة (110/ ثامناً ) من الدستور العراقي النافذ لعام2005 بما يتعلق بإختصاص الحكومة الاتحادية والتي تنص على ( تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه توزيعها العادل داخل العراق وفقاً للقوانين والاعراف الدولية
- تشريع قانون تجريم تلوث مياه الأنهار في العراق وفرض عقوبات صارمة على المخالفين سواء كان القطاع العام أو الخاص أو الفرد
- إعادة توزيع حصصة المياه والبنى التحتية لشبكات المياه وفق مبدأ العدالة والمساواة بين الريف والمدينة وبين المحافظات وفق الكثافة السكانية .
الماء الصالح للشرب
دخلت منظومة تنقية المياه او الآرو( r.o )الى العراق بعد أحداث عام ٢٠٠٣ حيث انخفضت نسبة الأملاح و المعادن tds في الماء من ٣٥٠ الى ٣٠ و اعتاد المواطن على شرب الماء الخالي من الأملاح و المعادن لذا من الصعب العودة الى الشرب من مياه الصنبور، هذا ما ذكره الباحث في تنقية المياه السيد عمار جدوع (المدى) مضيفاً: بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية و تقرير ورقي آخر استلمته من جهاز التقييس و السيطرة النوعية العراقي فإن نسبة الإملاح و المعادن tds في الماء و المفيدة لجسم الإنسان هي من ١٠٠الى ٣٠٠ ممتازة و من ٣٠٠الى ٦٠٠جيدة و من ٦٠٠الى٩٠٠ مقبولة و من ٩٠٠ الى ١٢٠٠ هي غير آمنة على الصحة.
و في أغلب المحافظات العراقية فإن نسبة ال tds مقبولة أما في محافظتي البصرة و الناصرية تصل في بعض الأحيان الى ٢٠٠٠ و هنا تكون نوعية المياه غير صالحة للاستهلاك البشري أو الحيواني .
و لفت جدوع الى ضرورة تجنب المواطن الشرب من مياه الصنبور لاحتوائها على الأطيان و الشوائب ولتعرض الشبكات القديمة الى التلف و يلجأ الى الشرب من القناني الجاهزة أو تعبئتها من محلات بيع مياه الآرو.
وأضاف: إذا ما تمت المقارنة بين مياه الآرو و مياه الصنبور و مياه القناني البلاستيكية و أي منهم الأصح و الأفضل لصحة الإنسان ففي الواقع مياه الصنبور أو الإسالة هي الأفضل بعد أن تتم فلترتها على النحو التالي: بعد تعبئة الخزان المنزلي يجب ترك المياه دون استخدام في الخزان لمدة يومين و في هذه الحالة سيتبخر الكلور بنسبة كبيرة و تستقر الشوائب و الأطيان في قاع الخزان و من بعدها تبدأ عملية التنقية بوضع فلتر قطني على الصنبور، أما بالنسبة لمياه الآرو( r.o )التي يتم بيعها في المحلات و على العربات الجوالة فهي مياه مفلترة و لكن تنقصها الأملاح و المعادن، أيضاً أثناء عملية ترشيح المياه ستفقد المياه عنصر ph أو القلوية و ستتحول المياه الى حامضية و بالتالي يصبح الماء خالٍ من الأملاح و المعادن أو يفتقر لمقومات المياه، يؤدي ذلك الى تكون حصى الكلى و هشاشة العظام لذا من الواجب إضافة الأملاح و المعادن الى مياه الآرو بعد فلترتها.
و أكد: إن أفضل مادة لحفظ السوائل هي الزجاج أما القناني البلاستيكية المعبأة بالماء فقد تم اكتشاف أنها تفرز مواد مسرطنة عند تعرضها للشمس لتفاعل هذه المواد مع الشمس و من الملاحظ عرض صناديق المياه أمام المحلات و تكون معرضة لحرارة الشمس المباشرة دون رقابة ،أيضاً في بعض الأحيان يتم استخدامها لأكثر من مرة أو تجميدها في هذه الحالة أيضاً ستفرز مواد ضارة بالصحة و مسرطنة.
أما بالنسبة للطريقة الصحيحة لشرب الماء قال الباحث جدوع: بعد فلترة ماء الصنبور في المنزل سيصبح صافياً و يحتوي على الأملاح و المعادن و لكن ينقصه القلوية لذا يتم تقطيع ليمونة على شكل حلقات و إضافتها الى الماء المعد للشرب ، أما في حالة امتلاك المواطن لمنظومة تنقية المياه المنزلية و عند قياس نسبة الأملاح و المعادن ووصولها الى ١٠tds ننصحه بعد إضافة الليمونة للمياه باخذ غرام واحد من ملح البحر أو الهملايا و إضافته الى ١٠ لترات من الماء و بذلك سترتفع نسبة الأملاح و المعادن tds الى ١٠٠أو ١٥٠ و من الممكن تطبيق هذه العملية بعد الحصول على مياه الآرو من المحلات .
جميع التعليقات 1
عمار جدوع
شكرا للاستاذة عديلة على هذا العمل