علي حسين
الآن، وبعد أكثر من عام ونصف على "ذبح" 700 شاب وجرح الآلاف، لم يجد عادل عبد المهدي سوى "الحنطة" ومعها صبات الكونكريت، ليعيد لنا أمجاده، ويقدم نفسه على أنه الكنز الاقتصادي الذي لا يمكن الاستغناء عنه .
رواية "الحنطة" المضحكة التي يروج لها عادل عبد المهدي ويحاول فرضها كصورة وردية لفترة حكمه، تقابلها رواية لا يريد ساستنا "الأفاضل" تذكرها هي تضحيات الشباب التي تصرخ فينا كل يوم وتستحلفنا بأرواح الذين سقطوا دفاعاً عن حلم الإصلاح والتغيير أن ننتبه جميعنا إلى ألاعيب الساسة التي لا تزال تشيع الفوضى، وتستبسل دفاعاً عن بقائها وفسادها.
منذ أن جلس عادل عبد المهدي على كرسي رئاسة الوزراء وحتى لحظة مغادرته لم يكن يريد أن يعترف بأنّ هذا الشعب يملك شجاعة الاحتجاج، فهو يريد منه أن يكون تابعاً، مثل مسؤولينا الذين يتبعون لبلدان الشرق والغرب، لكنهم رغم ذلك يوزّعون "الأجندات الأجنبية" على المتظاهرين، فيما يحاول "جهابذتهم" تلقيننا دروساً في فنون الوطنية.
يحاول السيد عادل عبد المهدي أن يعيد ترتيب الأحداث حسب ذاكرته وليس حسب ذاكرة العراقيين. ولا يترك مناسبة إلا ويطعن في احتجاجات تشرين، معتبراً ماجرى مجرد مؤامرة قادتها الماسونية العالمية ، ولهذا كان لا بد من ان يتحول موضوع خطير ومصيري في حياة العراقيين، وأعني به قتل المعتصمين، إلى مجرد مهرجان غير منظم لتصريحات تفتقر إلى العقلانية والموضوعية. لا أتصور أن أي عاقل يمكن أن يقرأ مقال عادل عبد المهدي عن إنجازاته الاقتصادية التي حققها أثناء توليه رئاسة الوزراء دون أن يضرب كفاً بكف على هذه القدرة العجيبة على خداع الذات قبل الآخرين. كتابات وأحاديث بعضها مضحك ومعظمها يدعو إلى الرثاء، فالرجل اليوم غارق في حساباته الاقتصادية، فيما غالبية الناس لا تزال تضرب أخماساً في أسداس ولم تعد تعرف من قتل أكثر من 700 متظاهر؟.
يلتقي الساسة الذين يحبّون أوطانهم على مشترك واحد، رفاهية الشعوب وطيّ صفحة الدمار والخراب والوقوف بوجه الفساد، لكن في بلاد الرافدين هناك رجال اعتقدوا أنهم إذا حملوا إلى الناس التغيير، فحقَّ لهم استبداله بالسيطرة على مؤسسات الدولة وثرواتها وقتل ابنائها.
كان مؤسس الاقتصاد الحديث آدم سميث يقول لمن يريد أن يعمل في السياسة: "عليك أن تراقب الإنسان الذي في داخلك، وأن تضبط نزواته وغرائزه". للأسف لا أحد من ساستنا يريد اليوم أن يراقب ما بداخله، لأنه في المواقف الصعبة، يظهر على حقيقته، لم تعد الوطنية والنزاهة والسمعة الطبية من همومه، ما دام يجد من يصفق له وينتخبه ويسير خلفه.
كم عادل عبد المهدي في هذه البلاد، يريد ان يستبدل دماء الضحايا، بأرقام عن منجزات وهمية؟!