علي حسين
الحل الأسهل، في مأساة هذه البلاد التي سرق منها " الأخضر واليابس " ، هو إشغال الناس بمعارك جانبية، ففي الوقت الذي تعاني فيه العاصمة من غياب الخدمات، وانتشار العشوائيات، والبطالة التي ضربت أرقاماً قياسية، وارتفاع نسبة الفقر، وجدنا من يطالب بقطع رأس "أبو جعفر المنصور" ، لماذا ياسادة ؟ ،
لأنه يقف وراء كل ما حدث خلال السنوات الماضية.. للأسف نجد البعض يصرخ من أجل تغيير اسم بغداد، وإلغاء حي المنصور، لكنه يصمت حين تضع المنظمات الدولية مدينة بغداد في قائمة أسوأ المدن في التصنيف العالمي وتفتقر لأبسط شروط الحياة.
قبل أعوام قليلة أصدر المهندس المعماري موفق الطائي كتاباً بعنوان "بغداد جنة.. مع وقف التنفيذ" ، ولو لو كنت مثل المهندس الطائي وعرفت بغداد طفلا وشابا ، عرفت حدائقها الصغيرة ، والبيوت الهادئة ، وتنعمت بمشاهد شوارعها في الستينيات ، ومررت من أمام مقهى البرازيلية ،أو وقفت تتفرج على ما يعرضه حسو إخوان ، لو كنت مثله بالتاكيد سوف تعتبر أن بغداد أجمل مدن الارض .
في كتابه يوجه موفق الطائي نداءً صادقاً "حافظوا على بغداد" حيث يطلب منا أن لا ننسى وصية معلمه محمد مكية التي كتبها قبل وفاته بأيام "استمعوا إلى بغداد.. أصغوا إلى صوتها كثيراً.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل".
اليوم ونحن نيد الاستماع الى صرخة موفق الطائي ، ننظر إلى بغداد وهي تنزلق، نحو عصور الظلام والعتمة!، المسؤول فيها لا يسمع سوى صوته .
على مدى العصور امتلأت ليالي بغداد فرحاً، ولم يكن يدور في خلد احد أن تتحول بغداد إلى مدينة أشباح. في كل دول العالم المتحضر يخلدون التاريخ بالجغرافيا، ويحتفون بالأماكن التي شهدت مسرات وأفراح شعوبها، وفي أكثر من عاصمة هناك مواقع تحولت إلى أماكن تاريخية وثقافية لارتباطها بمحطات مهمة في مسيرة بلدانها، وإذا كان لا يحق لأحد أن يصادر حق البعض في أن يروا أو يقرأوا التاريخ كما يشاؤون، فإن من حقنا أن نطالبهم بتقديم الدليل على أن بغداد ارتكبت جرائم في حق العراقيين، وأنها مشمولة بالاجتثاث.
للأسف لو كُنّا شعباً جاداً، لو كان لدينا برلمان فعلي، لو كان لدينا رأي عام مؤثر وفاعل، لو كانت لدينا أحزاب حقيقية، لو كان هناك من يحاسب الفاسد وسارق المال العام والمرتشي، لو كان لدينا كل ما سبق أو بعضاً منه، ما وقعت مأساة بغداد التي يسعى البعض إلى اجتثاث تاريخها.