علي حسين
إذا كُنتَ لا تزال لديك رغبة قراءة أخبار هذه البلاد التي يراد لها أن تدير ظهرها للرفاهية والتقدم، وأن تظل حبيسة الماضي، ولا تغادر السقيفة، وأن يظل الخلاف قائماً حول أحقية أبو جعفر المنصور في أن ينصب له تمثال في المدينة التي بناها،
إذا كنت مثل جنابي تريد أن تضحك مثل ضحك عمنا المتنبي الذي اكتشف بعض كتبة الفيسبوك أنه لا يستحق لقب شاعر، سوف تلاحظ أنّ حلم النائب "الثائر" أحمد الجبوري قد تحقق وأن الباطل قد زهق ÷، والحق في طريقه إلى أن يرجع لأصحابه، بعد أن قرر القضاء قبول الطعن الذي قدمه "نهر العراق الثالث" الملقب بـ"أبو مازن"، وأنه سيعود غانماً ظافرا ليجلس تحت قبة البرلمان يواصل مهنته في مزاد بيع المناصب.
وإذا واصلتَ التسمّر أمام الشاشة العجيبة، سوف تلاحظ شيئاً آخر في مشاهد نشرة أخبار هذه البلاد: أن النائبة "الثائرة" عالية نصيف اكتشفت اليوم فقط أن هناك مليارات سُرقت من أموال العراقيين، وأنها، وأعني السيدة النائبة، قلقة على مستقبل البلاد بسبب انتشار مافيات الفساد، وأتمنى أن تسمح لي النائبة المثابرة أن أذكّرها بما قالته عام 2013 عندما اتّهِمت حكومة المالكي بنهب أموال المشاريع الوهمية، قالت بالحرف الواحد إن "الذين يتهمون الحكومة بالفساد إنما ينفذون أجندات خارجية تمولها السعودية وقطر والكويت".
وأتمنى أن تسمحوا لي، فهذه ليست المرة الأولى التي أعود فيها إلى حديث الكتب، واعتذر لأنني وأنا في وسط تظاهرات "بالروح بالدم نفديك يا أبو مازن"، أحدثكم عن كاتب فرنسي اسمه جلين بليك أصدر منذ زمن كتاباً بعنوان "المجادلة مع الحمقى" يقول فيه:
"إن للحمقى أيضا من يعجب بهم وهم الأكثر حمقاً منهم"، وقديماً خصص أحد التقاة "ابن الجوزي" كتاباً سرد فيه أخبار الحمقى والمغفلين وضع فيه وصفاً للحمق قال: "معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً، فالأحمق، سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة".
ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدأ يشمل الشعوب التي تسلم أمرها بيد مسؤولين فاقدي الصلاحية والأهلية ويكفي أن نأخذ عينات من ساستنا "الأشاوس" كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس وسرقة المال العام والمحسوبية والرشوة، جعلت من المواطن المسكين والمغلوب على أمره لا يملك إرادته ويعيش على هامش الحياة.
ولهذا لا مفاجأة على الإطلاق، في أن نكون على قائمة بؤساء العالم، ما المفاجأة في بلد يراد له أن يستقيل من التاريخ والجغرافيا والسياسة، وأن يجلس المواطن فيه على مقاعد المتفرجين والمشجعين؟