TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: لاأحد ينتظر بركاتِك الفيسبوكية !

قناديل: لاأحد ينتظر بركاتِك الفيسبوكية !

نشر في: 19 يونيو, 2021: 09:51 م

 لطفية الدليمي

أتفقُ كثيراً مع من يرى بأنّ الفيسبوك (وعوالم التواصل الإجتماعي المعروفة) هي الفضاءات التي تتحقق فيها ديمقراطية حقيقية في هذا العالم. هل يمكن أن تتحقق ديمقراطية حقيقية من غير أثمان مكلفة ؟ كلا بالطبع.

من هذه الأثمان شيوعُ نمطٍ من الفجاجة الكتابية والخفة غير المحكومة بأي ضابط من ضوابط الكياسة في السلوك والتصرّف إزاء الآخرين. هذه أمورٌ متوقّعة ؛ لكن تبقى هذه الكُلَف في حدود قدرتنا على التعامل معها بوسائل تقنية متاحة منها غضّ الطرف عمّا لانريد، أو في حالات محدّدة يمكن إخراج شخص خارج نطاق حدود مملكتنا الفيسبوكية بواسطة ضغطة Block قصيرة. الخلاصة هي : إخلع ماتشاء من صفات جيدة أو مسيئة على الفيسبوك ؛ لكنه يظلُّ نافذة أتاحت لنا (أو للأغلبية منّا في الأقلّ) إطلالة تواصلية ساحرة على العالم بدلاً من الإختناق في أجواء محلية راكدة قد يرى المرء نفسه غارقاً في لجّتها لأسباب كثيرة بعضها شخصي ومعظمها خارجة عن إرادة المرء.

يروق لي أن أتخيّل الفيسبوك وكأنه مرقصٌ كبير، أو سيرك مزدان بملايين مؤلفة من شخصيات بألوان وخلفيات ثقافية شتى. هل رأيتم شخصاً يدخل مرقصاً أو سيركاً ببدلة سموكنغ وربطة عنق ضيقة ؟ كلا بالتأكيد. نحتاج جميعاً إلى خلع أحذيتنا وارتداء ملابس بشتى الألوان والأشكال - كما الغجر - والانطلاق في عالم الفيسبوك، تاركين وراءنا هوياتنا وعُقَدَنا وخلفياتنا الأكاديمية. يتساوى في هذا الغفير والوزير، مارك زوكربيرغ وافريقي بسيط على سواحل نهر الكونغو، أستاذ الذكاء الاصطناعي في MIT وصبي يتبادل العشق مع صبية عربية أو هندية.

هل الفيسبوك فضفضة كلام ؟ نعم. هل هو ميدان نميمة ؟ هو كذلك. هل هو مقهى لاستعادة ذكريات جميلة قديمة بين جماعة طلبة وموظفين قدماء ؟ ليكن هكذا. هو كلّ هذا وأكثر، هو أي شيء وكلّ شيء (كما الرواية المعاصرة)، ولن يكون ذا فاعلية مؤثرة مالم يكن كذلك.

الفيسبوك ليس ميدان مساجلات فكرية أو أطروحات أكاديمية، وهو إلى أحاديث المقاهي أقرب. يمكن أحياناً أن نستغلّ الفيسبوك في بثّ أطروحة ما ؛ لكنْ حتى هذا الطرح يجب أن يكون متخففاً من ثقل الأطروحات الفكرية التي تملأ المجلات التخصصية. الناس - في أغلبهم - مُتعبون تحت ضغط الوقائع الكبرى الجارية في بلادنا والعالم، ولاينتظرون من البعض أن يوزّع عليهم بركاته الفيسبوكية في صيغة تعليقات نرجسية أقرب إلى مدوّنات السلوك الصالح : إفعل هذا ولاتفعل ذاك، هذا صح وذاك خطأ، هذا جائز وهذا غير جائز،،، إلخ. لاأحد في الفيسبوك فوّضك بهذه المهمة الرسالية. القاعدة هي : إقرأ ماتشاء، وإذا أعجبك ماقرأت ووجدت لديك رغبة في الإضافة أو الإطراء فعلّق كما تشاء لكن من غير أن تنصّب نفسك قيّماً على مايفعله الآخرون. الكياسة مطلوبة في كلّ الأحوال، وحتى لو انطوت تعليقاتك على شيء من الإنتقاد أو المخالفة ؛ فبالكلمة الطيبة تستطيع جعل النار ثلجاً كما تفيد الأمثال.

لاأحدَ موكلٌ إليه مسؤولية الضبط السلوكي أو المعرفي على المنشورات الفيسبوكية، وساذجٌ من يتصوّرُ أنّ البشر يتلهفون لقراءة منشوراته أو تعليقاته الفيسبوكية وهم في حالة انبهار أنفاس ! ودعونا لاننسى أبداً أنّ الفيسبوك ميدان (فرفشة) و (تبديل جو) وتسرية مجانية عن النفس حتى لو كان ميدان مناقشة آخر تطوّرات الذكاء الاصطناعي أو نظرية الأوتار أو المباحث السردية الحديثة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram