ترجمة احمد الزبيدي

من المقرر ان يشهد الشهر القادم صدور كتاب(وداعا غابو ومرسيدس ..ذكريات أبن غابرييل غارسيا ماركيز ومرسيدس بارثا) من تأليف رودريغو غارسيا ابن الكاتب الكبير وهو مخرج سينمائي وكاتب سيناريو معروف

عندما كان غابرييل غارسيا ماركيز يكتب روايته مائة عام من العزلة ، قال حينها إن إحدى أصعب اللحظات التي واجهته هو عندما وصل إلى لحظة وفاة العقيد أوريليانو بوينديا. حينها قام "غابو" ، وهو الاسم الذي اشتهر به الكاتب الكولومبي ، ترك غرفة مكتبه في منزله في مكسيكو سيتي وذهب الى زوجته ، مرسيدس بارشا ، في غرفة النوم. وقال لها حزينًا: "لقد قتلت العقيد". يقول رودريغو غارسيا ، ابن غارسيا ماركيز ، عن تلك اللحظة متذكرًا الحزن الذي أصاب والديه: "لقد كانت امي تعرف ماذا كان يعني ذلك بالنسبة له وقد ظلا الأثنان صامتين عسى ان يستوعبا ذلك الخبر الحزين ". وها هو رودريغو يقوم الآن بالكتابة عن مشاعر حزنه لفراق والديه في كتاب جديد بعنوان (وداعا غابو ومرسيدس).

يقول رودريغو . "لطالما اشتكى والدي من أن أحد أكثر الأشياء التي يكرهها بشأن الموت هو حقيقة أنه سيكون الجانب الوحيد في حياته الذي لن يكون قادرًا على الكتابة عنه.

يمزج كتاب غارسيا بين قصة أيام والديه الأخيرة وقصص موت ابطال الروايات التي كتب عنها غارسيا ماركيز ، مثل قصة زعيم الاستقلال سيمون بوليفار في رواية ( الجنرال في متاهته )حين رأى من خلال النافذة لمعان كوكب الزهرة في السماء وهو يتلاشى إلى الأبد ") ، أو اليوم الذي ماتت فيه أورسولا إيغوار في رواية مائة عام من العزلة ، يوم الخميس المقدس - تمامًا مثل ماركيز ، الذي توفي يوم الخميس المقدس في عام 2014 عن عمر يناهز 87 عامًا.

وفي حديثه عن الكتاب قال رودريغو غارسيا في مؤتمر صحفي: "لم أكن بحاجة الى أن أفكر كثيرًا لأتذكر هذه المقاطع". "فالهوس بالفقد والموت شائع جدًا بين الكتاب ، بل يمكن القول ان احد مكونات الحامض النووي للكاتب: هو الهوس بفقدان الآخرين والأشخاص الذين يرحلون ونهاية الاشياء ، وكيف يؤطر الموت تجارب الحياة. لهذا السبب تذكرت بسهولة كل حكايات موت الشخصيات الرئيسية في روايات والدي ".

في السنوات القليلة الماضية ، عمل غارسيا، وهو مخرج سينمائي ، على تحويل روايات والده إلى أفلام سينمائية : فهو المنتج المنفذ لـفلم (خبر اختطاف) المأخوذ عن كتاب بنفس الاسم للكاتب ماركيز و الذي تنتجه شركة امازون برايم ويتم تصويره حاليًا في كولومبيا. ) ونسخة سينمائية أنتجتها شركة نتفلكس لروايته مائة عام من العزلة (وهي في مرحلة ما قبل الإنتاج). لكن الأسرة كانت دائمًا حريصة جدًا على عدم الكشف عن الكثير عن حياتها الخاصة. ،فقد اعتادت والدته على القول "لسنا شخصيات عامة" ،و كانت تحمي خصوصيتهم بشدة ،. وبهذه الطريقة ، يُعد هذا الكتاب الجديد نافذة صغيرة تطل بنا على الألم الذي عانى منه والديه عندما كان غارسيا ماركيز - الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982 – يعيش أيامه الاخيرة. يقول رودريغو غارسيا: "أعلم أنني لم أكن استطيع نشر هذه الذكريات حين كانت أمي قادرة على قراءتها". لكنه اضاف : ولكن لو تمكن والداي من قراءتها الآن ، "أود أن أعتقد أنهم سيكونون سعداء وفخورين ، لكنني متأكد من أن والدتي ستقول لي ،" يا لك من ثرثار.

وفقًا لكتاب ابنه ، عانى غارسيا ماركيز في أيامه الأخيرة - بدأت ذكرياته في التلاشي وكان يواجه صعوبة في تذكر الوجوه التي كانت مألوفة في السابق. ففي إحدى فقرات الكتاب يشير الى ان والده كان يتساءل "لماذا تعطي هذه المرأة الأوامر وتجري في أرجاء المنزل كما لو انه ليس ملكي؟" عندما كان لا يستطيع التعرف على زوجته وفي فقرة اخرى يسأل خادمة منزله. "من هم هؤلاء الأشخاص على الجانب الآخر من الغرفة؟" وهو يشير الى ابنيه رودريغو وغونزالو. وفي مناسبة أخرى يقول"هذا ليس بيتي. أريد العودة إلى الديار.

ولكن خلال أيامه الأخيرة ، تمكن غارسيا ماركيز أيضًا من إحياء أكثر اللحظات العزيزة في طفولته في أراكاتاكا ، القرية الكولومبية التي ولد فيها عام 1927. كما كان بإمكان المؤلف أن يقرأ قصائد من ذكرى العصر الذهبي الإسباني. . يقول غارسيا ، عندما لم يعد بإمكانه القيام بذلك ، "كان لا يزال بإمكانه غناء أغانيه المفضلة". أمضى الحائز على جائزة نوبل أيامه الأخيرة في الاستماع إلى موسيقى فاليناتوس ، وهي الموسيقى الشعبية الشائعة في منطقة البحر الكاريبي في كولومبيا التي نشأ فيها. كتب رودريغو غارسيا يقول في كتابه الجديد: "حتى في الأشهر الأخيرة ، عندما لم يكن قادرًا على تذكر الأشياء ، كانت عيناه تضيآن بالعاطفة مع النغمات الأولى للأكورديون الكلاسيكي". "

.وقد ملأت أغاني الملحن الكولومبي رافائيل إسكالونا ارجاء المنزل في المكسيك وكأنها تهويدات لوداعه.

على الرغم من أن الكاتب الشهير كان يعاني من الزهايمر ، إلا أن رودريغو غارسيا يقول: "كانت المرحلة الأخيرة [من حياته] أسهل". "هناك مرحلة مروعة يدرك فيها الشخص أنه يفقد ذاكرته. إن رؤية الشخص وهو لا يفقد قدراته فحسب ، بل ويشعر أيضًا بقلق عميق من فقدها هو أمر فظيع وصعب للغاية ، "ويواصل قائلا. "كانت المرحلة الاخيرة من حياته حزينة ، لكنها أكثر هدوءًا. كان هادئًا ، لم يكن قلقًا ، كان مشتتًا للغاية. لم يتذكر الكثير من الأشياء ، لكنه كان طيبا ، ومسالمًا ، وكان هذا يريحنا ".

على الرغم من أن معظم كتاب غارسيا يدور حول وفاة والده ، إلا أن الفصل الأخير مخصص لوفاة والدته ، كتب عنها رودريغو غارسيا: "لكن على الرغم من كل شيء ، كان كل من يعرفها يعلم أنها أصبحت نسخة رائعة من نفسها".و يصفها بأنها "امرأة عصرها": أم وزوجة وربة منزل لم تذهب إلى الجامعة قط. على الرغم من ذلك ، كانت هي التي ساهمت في تحقيق النجاح لزوجها ، وكانت موضع حسد على ثقتها بنفسها. في أحد المشاهد في الكتاب ، يشير غارسيا كيف انه هو وشقيقه شعرا بالانزعاج عندما اشار الرئيس المكسيكي (الذي لم يذكر اسمه ، ولكنه كان في تلك الفترة أنريكي بينيا نييتو) ، إلى الأسرة على أنها "الأطفال والأرملة. "و في نفس المشهد ، تهدد مرسيدس بارشا "بإخبار أول صحفية تقول ان هناك احاديث حول خططها للزواج في أقرب وقت ممكن.: "أنا لست أرملة..

ماتت مرسيدس بارشا في عام 2020 وسط جائحة فيروس كورونا ، دون الضجة التي أحاطت بوفاة ماركيز. كان زوجها ، غارسيا ماركيز ، قد أخبر أبنائه أنه إذا كتبوا عن وفاة والدتهم ، فيجب عليهم التأكد من أن القارئ سيشعر بالحزن التام.يقول رودريغو غارسيا انه في الأيام التي أعقبت وفاة بارشا ، ظل ينتظر مكالمة تلفونية منها لتسأله: "إذن ، كيف كان موتي؟ لا ، اهدأ. اجلس. قل لي ذلك بشكل صحيح ، دون استعجال ".

عن البايس