علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن "روزخون" العراق محمود المشهداني الذي أتحفنا بنظرية سياسية جديدة اسمها "الشرع"، فرئيس مجلس النواب السابق والذي يتقاضى أكثر من ثلاثين مليون دينار عراقي شهرياً لأنه خدم العراق ثلاث سنوات عجاف، يطالبنا بأن نؤيد حركة " عزم " التي يقودها خميس الخنجر،
لأن جميع الذين ينتمون إليها يؤدون الصلاة، ولهذا وحسب نظرية المشهداني فإن الذين أدخلوا هذه البلاد في النفق المظلم هم الذين لا ينتمون لحركة خميس الخنجر "المؤمنة"، ورغم أن محمود المشهداني يثير شهية الكاتب على السخرية، لكنني في الوقت نفسه أيقنت أن متابعة شخصيات مثل المشهداني تزيد من مخاطر الإصابة بالتخلف، ولهذا وجدت الحديث عن صورة أم الشهيد إيهاب الوزاني وهي تقف أمام سيارات فريق الأمم المتحدة، التي أغلقت نوافذها أمام صرخات الأم الثكلى، أجدى من الحديث عن سياسي وصف العراقيين ذات يوم بـ"الدايحين".
يؤسفني أيها السادة أن أقول وأكرر القول إنّ المسؤولية ليست مسؤولية موظفي الأمم المتحدة الذين يعتقدون أن البلاد تعيش أزهى عصور الديمقراطية، إنها بالأساس مسؤولية الدولة التي لا تزال عاجزة ومتفرجة على ظاهرة "السيارات المظللة" و"كواتم الصوت"، مسؤولية الدولة التي صمتت على مقتل مئات الناشطين، فبدا هذا الصمت تشريعاً لثقافة الموت، والتصدي للذين يؤمنون بأن عدو العراق ليس من سرق ثرواته وأشاع الخراب، وإنما هو الناشطين الذين خرجوا للاحتجاج ضد الفساد والمفسدين.
لعل من أغرب ما نمر به في هذه البلاد، أن العالم يعيش عصر الفضائيات المفتوحة وثورة التكنولوجيا، ولا يعرف المواطن من يقتل أبناءه، ولماذا تضع الدلة رأسها في الرمل؟
إن مشهد والدة إيهاب الوزاني وهي تقف تحت شمس حارقة دون أن تتحرك الحكومة المحلية في كربلاء لمساعدتها، يقول إن أشياء كثيرة لم تتغير، وإن هناك من لا يريد أن نمضي نحو مستقبل آمن، والدليل جرائم الاغتيال التي دائماً ما تسجل ضد مجهول، وهي تكرار لجرائم كثيرة ارتكبت وسترتكب في المستقبل وإن اختلفت التفاصيل والوجوه، فالذي حدث أن مواطناً يفقد حياته بمنتهى البساطة لأن أصحاب الدراجات النارية والكواتم يعتقدون أن قانونهم هو وحده الذي يجب أن يطبق على الجميع.
قُتل إيهاب الوزني بدم بارد، واريد لهذا الصوت الذي أصرّ على أن يكون واضحاً وجريئاً ان تخرسه الرصاصات، لكنهم نسوا أن إيهاب الوزني ومعه المئات من الضحايا باقون وسيغيّب جميع القتلة.
إنّ ما جرى مع هذه الأم الثكلى هو جريمة كاملة، وستبقى عاراً يلاحق الذين لا يريدون أن يسمعوا لأنينها، وسيبقى مشهداً يؤرّخ له بأنه اليوم الذي غاب فيه ضمير الساسة، فلم يعد منظر امرأة كبيرة تريد أن تعرف من قتل ابنها، يثير مشاعرهم، مثلما يثيرها لمعان الكرسيّ.