TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: وطنية فاسدة !!

العمود الثامن: وطنية فاسدة !!

نشر في: 23 يونيو, 2021: 10:12 م

 علي حسين

عندما غاب الفيلسوف الفرنسي الشهير قبل واحد وأربعين عاماً، كان قد ترك وراءه سيرة مثيرة، شعارها أن المثقف وحده القادر على صناعة الرأي العام والتأثير في المجتمع. في كل مرة أعود فيها إلى سارتر أسأل نفسي: من هو هذا الإنسان؟

هل هو المفكر الملتزم أم البوهيمي الذي قضى حياته يتنقل من مقهى إلى مقهى، أم المناضل السياسي الذي دافع بشراسة عن الجزائر وكوبا وفيتنام؟ هل هو الفيلسوف الذي كتب أصعب المؤلفات وأعقدها "الكينونة والعدم" أم كاتب المسرحيات التي حظيت بإقبال جماهيري كبير؟.. وفي كل هذه العناوين كانت صورته وهو يقف فوق برميل يوزع المنشورات المناهضة لحكومة الجنرال ديغول هي التي تؤكد لنا من هو المثقف ؟ .. تذكرت هذه الصورة وأنا أتابع قضية السيدة أم إيهاب الوزني، وصورتها وهي تقف تحت الشمس وحيدة، وسألت بعض الأصدقاء أين منظمات المجتمع المدني؟، ما هو دور النقابات والاتحادات التي تضم آلاف من الرافعين راية الثقافة وحقوق الانسان وحرية الرأي ؟، لماذا لم تبادر هذه المنظمات وتذهب للتضامن مع هذه السيدة، لكي يعرف المسؤول أن هناك مثقفين عراقيين بإمكانهم صناعة رأي عام؟. سيقول البعض يارجل هذه دكاكين وليست منظمات ، للاسف منذ سنوات وهذه المنظمات وشغلها الشاغل هو الحصول على المنح ، والتقرب من اصحاب القرار .

حاول سارتر في كتابه "دفاعاً عن المثقفين"، الذي صدر عام 1965، أن يعطي تعريفاً للمثقف: " إن ما يجعل من فردٍ ما مثقفاً هو قدرته على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه، المثقف هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة".

أتذكر سارتر وأنا أرى صمت هذه المنظمات ، التي تُمني النفس أن تبادر الحكومة إلى إعادة منحة المثقفين ، والتي لا تتجاوز قيمتها المئة ألف دينار شهرياً، في الوقت الذي نهب فيه "ساسة الصدفة" ما يقارب التريليون دولار عداً ونقداً. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأحزاب الحاكمة إلى إشاعة ثقافة الجهل والخراب، يسعى الذين يَحسبون أنفسهم على خانة الثقافة إلى مغازلة المسؤول من أجل الحصول على عطاياه، إن كانت منحة، أو وظيفة، أو سفرة، أو حتى، مجرد وليمة دسمة. اختصار هذه المنظمات هي شكل من اشكال الفساد الذي نما وترعرع برعاية النظام السياسي

نقرأ سارتر فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود. وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض. دائماً محملين بأطنان من الأكاذيب وأكوام من الخطب. ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية .

دائما اعود إلى فيلسوف الوجودية لأجده يخبرنا أن الخطر الحقيقي الذي يطيح بالبلدان هو توطأ المثقف ومحاولة بيعه للناس أمجاداً زائفة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ماهر

    أين نقابة الصحفيين واتحاد الصحفيين واتحاد الادباء المعبر عن صوت المثقفين؟

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram