د. فالح الحمـراني
تطرح الأنباء التي ترددت في موسكو عن خطط الحكومة العراقية بناء محطة كهروذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية العديد من الأسئلة المشروعة. ان كيان الدولة العراقية مازال هشاً، وحدودها مفتوحة في العديد من الجهات، كما ان المعابر غير مأمونة، ومُخترقة،وتحوم الشكوك حول أدائها،
ومن السهولة على أي دولة مجاورة انتهاك حرمة الأجواء العراقية، بما في ذلك تركيا وإسرائيل التي يمكن ان تدمر أي مشروع بحجة تهديده لأمنها، وتعوز العراق أنظمة متقدمة مضادات للأهداف الجوية، فضلا عن غياب الوحدة الوطنية، والدعم الشعبي للنظام، على خلفية احتدام الصراع المميت بين الأحزاب المسيطرة على القرار السيادي، والأكثر من هذا هو تهديد داعش، والتشكيلات العسكرية التي لا تخضع للدولة المسماة بالمليشيات، وانتشار الجريمة بكافة أشكالها، وضعف أجهزة حفظ النظام. كما ان بناء محطة كهرورذرية يحتاج إلى تمويلات هائلة يعجز العراق الذي يمر بأزمة اقتصادية/ مالية خطيرة، من توفيرها.
من الضروري اخذ بالاعتبار كل مصادر الخطر هذه على المحطة الكهروذرية التي تدور حولها المفاوضات مع جهات أجنبية.الاكثر عقلانية بالنسبة للعراق هو التركيز في المرحلة الراهنة على الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء، واستغلال الطاقة الشمسية المتوفر لديه، وغيرها من الوسائل، وبناء محطات كهربائية ذات الإنتاج الضخم، ولكن غير الذرية، والأهم هو وضع حد للفساد في مجال إنتاج الكهرباء، الذي من الممكن ان يمتد أيضا إلى تمويلات المحطة الكهروذرية، وإضعاف جوانبها الأمنية.
وأشير في العديد من وسائل الإعلام الروسية إنروسيا ستبني مفاعلات نووية في العراق. ووفقا لبعض المعطيات فان الحديث يدور عن بناء ثمان مفاعلات نزوية ستكون جاهزة بحلول عام 2030. ويأتي القرار العراقي كما ذكرت تلك المعطيات من ضرورة أن توفر المفاعلات النووية الكهرباء للعراق. وستقوم «شركة روس آتوم» الروسية الحكومية للطاقة الذرية بتنفيذ أعمال البناء. وستوفر المفاعلات 25 في المائة من إجمالي الطاقة التي يحتاجها البلد. وهناك مؤشرات على ان روسيا ستنصب في العراقوحدة طاقة بمفاعل التوليد السريع BREST-300 التي ستُستخدم في محطة سيفيرسك (إقليم تومسك) التي بدأت مؤسسة روس آتوم في بناءها في 8 حزيران، ووتاتي المحطة كجزء من مشروع “ بروريف”الصناعي الاستراتيجي.
وعودة إلى برنامج بغداد في مجال الطاقة النووية فان السلطات العراقية وفقا لدراسات في وسائل الإعلام الروسية يخطط لإنشاء محطة للطاقة النووية في البلاد ، مما سيساعد في حل أزمة الطاقة. معتبرة ان هذه المشكلة هي واحدة من أعلى أولويات بغداد ، حيث تسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في السابق في اضطرابات اجتماعية.ولكن تنفيذ مشروع بناء مفاعلات نووية للطاقة الكهربائيةمحفوف بتكاليف مالية كبيرة وبعض المشاكل الجيوسياسية.
ويلاحظ مراقبون أن العراق الذي هو ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم ما زال يعاني من عجز في الطاقة الكهربائية، وانه غير قادر على سد عجزه بقدراته الذاتية بمصادر مستقرة للكهرباء ، مما يؤدي إلى انقطاع الشبكة بشكل متكرر على خلفية ارتفاع درجات الحرارة بشكل مروع. ووفقا لتلك المعطيات فان العراق يمتلك الآن 18.4 جيجاوات من الكهرباء تحت تصرفه ، منها 1.2 جيجاوات يتم شراؤها من إيران. وبحلول أغسطس 2021 ، من المتوقع أن تزداد سعة المحطات الوطنية إلى 22 جيجاوات ، ولكن هذا الرقم أقل بكثير من الطلب الفعلي الذي يصل إلى 28 جيجاوات (30 جيجاوات في الأشهر الحارة).
وتتوقع هيئة تنظيم المصادر المشعة أن يتضاعف الطلب على الطاقة في البلاد إلى 42 جيجاواتبحلول نهاية العقد ،.وهناك تنبؤات تشير إلى أنه بدون الطاقة النووية ستواجه البلاد مشكلة كبيرة بحلول عام 2030.
وأشير إلى أن انهيار أسعار النفط في عام 2020 محفوف بمشاكل خطيرة للعراق. إذ خسرت الدولة الأموال اللازمة لصيانة وتوسيع نظام الطاقة الكهربائية المُهمل منذ فترة طويلة. ونتيجة لذلك، أشعلت الاضطرابات احتجاجات حاشدة ، كما تخشى قيادة البلاد ، يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة بالحكومة.
وبفضل انخفاض الإنتاج من قبل دول أوبك ،ارتفع سعر الذهب الأسود إلى 70 دولارًا للبرميل ، لكن العراق يحتاج إلى وقت لموازنة ميزانيته والتكيف مع هذه التغييرات. بالإضافة إلى ذلك ، فإن عدم استقرار الأسعار في سوق النفط العالمية لا يسمح بالتنبؤ بالمستقبل - فلا يستحق الاعتماد على الحفاظ على مثل هذا السعر ، لا سيما بالنظر إلى نوايا الدول الأعضاء في أوبك لزيادة حجم مبيعات الوقود.
إن بناء المفاعلات النووية هو الذي يمكن أن يكون إجراءً للقضاء على الوضع الكارثي في البلاد في مجال الكهرباء.
العراق والذرة
في الطريق إلى إنشاء محطة طاقة نووية جديدة ، أشير الى انه سيتعين على بغداد التعامل مع مطالب الدول الأخرى المحتملة في المنطقة. وكان العراق يطور خططاً لبرنامجه النووي منذ النصف الثاني من القرن العشرين ، ولديه تجربة سلبية مرتبطة بذلك.على سبيل المثال ، في عام 1981 ، أثناء النظام السابق، اتهمت إسرائيل بغداد بانتهاك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وشنت سلسلة من الضربات الجوية على مفاعل أوزيراك الذي تم شراؤه حينها في فرنسا. تم تدمير المنشأة وكذلك المخططات الخاصة بالبرنامج النووي للدولة.
بالإضافة إلى ذلك ، سيسمح هذا النوع من محطات الطاقة للعراق بإطلاق المزيد من الهيدروكربونات القيمة للتصدير، حيث ستقل الحاجة إلى استخدامها لتوليد الطاقة في البلاد بشكل كبير. واستمر العمل في هذا الاتجاه خلال السنوات العديدة الماضية. وعقد ممثلو مصالح بغداد عددا من اللقاءات مع ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدراسة إمكانيات بناء محطة للطاقة النووية. الآن أصبح احتمال المحطة أكثر تأكيدًا.
ووفقا للبرنامج، سيتعين على محطة الطاقة النووية الجديدة التي تضم ثمانية مفاعلات نووية أن تولد ما يصل إلى 11 جيجاوات من الكهرباء. لتنفيذ مشروع واسع النطاق ، وستحتاج البلاد إلى تمويل بقيمة 40 مليار دولار. تتوقع السلطات أن هذه التكاليف ستؤتي ثمارها في غضون 20 عامًا من تشغيل محطة الطاقة النووية.
ووفقا لتلك المعطيات فقد بدأت القيادة العراقية في البحث عن مستثمرين وشركاء محتملين قادرين على بناء مرافق جديدة. وهناك نوعان من المتنافسين الرئيسيين: روسيا وكوريا الجنوبية. وقد ناقش المسؤولون في بغداد بالفعل قضايا التعاون في هذا المجال مع ممثلين من موسكو وسيول.
ورسخت شركة روس آتوم الروسية مكانتها بشكل جيد في السوق العالمية كشريك موثوق به في بناء المفاعلات.في الوقت نفسه، أعربت القيادة الكورية الجنوبية أيضًا عن استعدادها للمشاركة في مشروع بغداد. وفي وقت سابق، دعت سيئول المسؤولين العراقيين للقيام بجولة في المفاعلات في الإمارات التي تديرها شركة كوريا للطاقة الكهربائية (كيبكو) كما جرى التفاوض مع شركات من فرنسا والولايات المتحدة. وقامت الوكالة بالفعل بتجميع قائمة تضم 20 موقعًا محتملاً لإنشاء المفاعلات. لم يتم تحديد المقاولين النهائيين بعد ، ولم يتم العثور على أموال للمشروع ، لكن من المفترض أن يتم توقيع العقود الأولى في وقت مبكر من العام المقبل ، 2022.