TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: بيت كاظم الحجاج

العمود الثامن: بيت كاظم الحجاج

نشر في: 29 يونيو, 2021: 10:49 م

 علي حسين

لم يكن شاعر البصرة الكبير يُدرك وهو يحث الخطى نحو الثمانين أنه سيضطر إلى معاتبة وطنه الذي أدار له ظهره، فالشاعر الذي أصر على أن يشيع الوطنية في قصائده ويتصيد حكايات العراقيين في مسراتهم وأوجاعهم، اكتشف أن قصائده التي تغنى بها أهل العراق لم تشفع له أن يسكن مطمئنا أمناً تحت سقف بيت صغير في مدينته البصرة .

كاظم الحجاج الذي يؤمن أن الموقف والشعر سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيّد حركته خطب وشعارات انتهازية وكاذبة ، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه ليل نهار... بلد ينحاز للمواطن لا للطائفة، ومسؤول ينحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة، كاظم الحجاج الذي يعيش كل يوم أسير أحلامه، متنقلاً في الشعر والحب والحياة، لم يكن يتوقع ان تكون النهاية كتاب إنذار يخيره بين أن ينام هو وعائلته في الشارع أو يطرد هو وعائلته من مسكنه .. لا خيار ثالث .

مات السياب قبل سبعة وخمسين عاماً وفي عينيه عتاب، فالبصرة استكثرت عليه وظيفة تعينه ايام محنة المرض ، فقررت أن تنذره بالفصل، مثلما قررت اليوم أن تنذر كاظم الحجاج بالطرد. قبل أعوام خرجت فرنسا شعباً وحكومة لتحتفل بذكرى ميلاد كاتبها المفضل فيكتور هيجو، ونقلت لنا وسائل الإعلام صورة الرئيس الفرنسي يلقي التحية على صاحب البؤساء، فيما رئيس الوزراء يذكر الفرنسيين بما قاله ديغول ذات يوم حين سُئِل لماذا يفضل صحبة الأدباء فرانسو مورياك وبول فاليري وأندريه مالرو على زملائه من العسكر والسياسيين؟، قال: لأنهم باقة مجد فرنسا.

الأدباء في العالم رموز ولهذا لم تتردد الحكومة البريطانية في أن تضع صورة الكاتبة جين أوستين بدلاً من تشرشل على عملاتها النقدية، فيما تصر روسيا على أن تعامل تراث تولستوي ودوستويفسكي وغوغول وبوشكين على أنه الجزء الأهم من تاريخ البلاد.. فيما يعتقد معظم ساسة كولومبيا حكومة وفصائل مسلحة، أن بلادهم لا مكان لها في خارطة العالم من دون ماركيز.

نفذت مصر مشروع "عاش هنا"، حيث وضعت لافتات توثق المباني التي سكنها ابرز كتابها وفنانيها ، ولا احد في بلاد الرافدين يسأل لماذا تحول منزل غائب طعمة فرمان الى مكب نفايات ؟ لاجواب فهل يُعقل أن بلاداً تضم كوكبة من القادة "المؤمنين" تتنازل وتتذكر صاحب النخلة والجيران .

يكتب كاظم الحجاج فاضحاً زيف الساسة :

أنا أتوضأ، دون صلاةٍ، وهذي شماليْ

أعف وأطهر ممن يصلي نهاراً، ويسرق في الليل خبز عيالي!

أنا لا أصوم!

أنا صائم منذ ستين عامْ!

أجوع وآكلُ

لكنني لا أبسمل عن لقمةٍ بالحرامْ!

أنا لا أزكّي!

فمن أين ليْ؟

وحتى لحافي.. قصير على أرجلي؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram