طالب عبد العزيز
سعيُّ السياسيين العراقيين والاسلاميين بخاصة للفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان ومسك دفة السلطة التنفيذية سمة من سمات السياسة العراقية، منذ ثمانية عشر عاماً والى اليوم، وهو سعي مُفرّغٌ من غاياته الوطنية- باستثناء عدد قليل- لا يشكّل ثقلاً في ميزان الحصص، هذا السعي قائم على المنفعة الحزبية والشخصية، ولو فحصنا مصادر مال الطبقة الغنية اليوم لوجدنا أنها جاءت من اللصوصية والفساد وخراب البلاد ومقاتل العباد.
في أتون الصراع بين المبادئ الوطنية الواسعة والمنافع الحزبية والشخصية الضيقة تكمن المسألة العراقية اليوم، وتحت إغراء تأمين فرص العمل، ووهم الانتفاع من الانتماء الى الحزب هذا وذاك تتم عملية جذب الناخب العراقي من قبل طبقة السياسيين العراقيين، فأخذت الاحزاب الدينية الحصة الاكبر من الناخبين، مستثمرة ما بين يديها من الجاهزية، المستقاة من الولاء الطائفي والتقديس الديني، بما أضعف القوى الوطنية المدنية، التي لم تملك شيئاً، والتي لم يبق بين صفوفها إلا من صمد بوجه الاغراءات والمناصب وفرص العمل، وآمن بمصلحة البلاد واستقلالها، وهم قلة قليلة أكلت الساحات والتظاهرات الكثير منهم، فيما راحت الاحزاب الدينية تعبُّ الاصوات، وتحشِّد أتباعَها بوعود تحقق البعض منها، بسبب وقوعها على هرم السلطة.
من نافل القول وصف طبقتنا السياسية بالغباء، فجلّهم لم يتدرج في تنظيم حزبي، ويعي ماذا تعني السياسة كعلم وفلسفة، إنما جاءوا من حيث دفعهم تاهيلُهم الديني، أو من منطقة تقرِّبِهم وولائِهم لشخصية دينية ما، لذا، فوجودُهم قائم على ما يمليه الحزب، واستمرارهم رهين نفوذ ومصلحة صاحب الحزب ذاك، وما هذا من السياسة بشيئ، بطبيعة الحال. كان بامكان الطبقة الفاسدة إدامة وجودها أطول مدة، وجني أكثر من المال، لو أنَّها عملت بنسبة ما لصالح البلاد واستأثرت بالباقي، لكنَّ الغباء عمل وبشكل تدريجي على انفضاض جمهورهم، لعدم قدرتهم على تحقيق فرص العمل وسبل العيش الآمن للملايين منهم، وللاهمال العام في مفاصل الخدمات، وفشل المشاريع، وجملة المفاسد التي قاموا بها، التي قوضت الحلم بامكانية وضع البلاد على جادة الصواب..
كل من شاهد صاحب علوة المخضّر في البصرة وهو يتحدث مختنقاً بعبرته يعي حقيقة ما وصلت البلاد اليه، فالرجل كريم ومنصف جداً، حين قال عنه نفسه:" مَنْ أنا، العبد الحقير، الاميّ حتى يعمل عندي في (العلوة) خريج كلية القانون، أوالمهندس؟ ثم أردف الى اين نحن سائرون بالبلاد هذه؟ "شهادة تكشف عميق الجرح الانساني، ونصلاً دامياً أستل من ضمير حيّ، حتى أصبحت جملته ايقونة عراقية تناقلتها صفحات التواصل. نعم، هناك من لا يجرؤ على قول مثل هذا، لما فيه من الصدق والنبل.
قد لا تبدو حقيقة انهيار الدولة قائمة في أعين البعض، ذلك لأنهم لا يرون أبعد من انوفهم، لكنها الحقيقة، هناك أفق معرفي يخترق عقول الطبقة السياسية الحاكمة، سيفضي الى شيء مدوٍ لا محال. تجارب الشعوب مع القهر تقول ذلك.