TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > على فكرة: سمّها اعترافات طالب عبد العزيز

على فكرة: سمّها اعترافات طالب عبد العزيز

نشر في: 5 يوليو, 2021: 10:06 م

 أحمد الزبيدي

بعيدًا عن المناهج النقدية واشتراطاتها في قراءة النص، وبعيدًا عن وصايا النقّاد المعلمين وهم يقرصون شحمة أُذن تلاميذهم بالحذر من التعصّب.. بعيدًا عن النقد نفسه سأتوجه لقراءة ديوانه الأخير ( سريرها وما يليه ) .

وكأن الديوان ( سجلّ) لما علق في ذاكرة الشاعر من صور مع النساء.. مع المدينة؛ وكأنه - بل هو كذلك - صورة الإنسان المدني المتمرد على الخطاب القبلي والديني المنشوبة أظفاره في جسد ( الحاضر ) اعتراف واضح ليس لأنه صريح أو شجاع، بل لأنه ( لم يزيًف ) ذاته .. من الصعب على البصراوي ( الحقيقي ) أن يزيف ذاته ..

توزعت اعترافات طالب بن عبد العزيز بين اثنتين وثلاثين قصيدة ؛ جلّها إحصاء لنسائه: حلاله وحرامه! وأين للشاعر امرأة محرّمة ؟ .. تجد في ألبومه الشعري المرأة الزوجة الحبيبة البصراوية الفاتنة ( المصلية ) والمتدينة بـ ( عباس القمي ) فتعجب من وفائه لها؛ ثم تقلب صفحة من ديوانه فيطلعك على صفحة من حياته ليحدّثك عن ( نادلة الفندق ) الثملة ومثلما يحدّثك عن سجادة الصلاة كذلك لا يمل من وصف سروال الفتاة الساحلية الممزق بين يديه ، وحين تدقق النظر في سجله الشعري ستجد أن ما تبقى من حلاوة الذكرى في قلب الشاعر اثنتان لا غير : نساؤه وبقايا بصرته!! كلاهما لم يبق منه إلا النادر النزر .. ومع تعدد النساء والذكريات هناك توحد في شخصية العاشق سواء كان ريفيا ملتحفا بالسباخ أو سائحا حداثيا ملتحفا بالكتنولوجيا فذاته واحده رغم الاختلاف الزمكاني .. قلت: جوار الزوجة والبيت تجد النادلة والفندق وكذلك جوار الكيبورد واللابتوب تجد ( نقيع الرز في جنفات الخوص ) .. صور شعرية ترسم التحولات الجغرافية والثقافية والهوياتية .. صور تجسد لك إيجابية الزمن الماضي وسلبية الزمن الحاضر والفرق بين نساء كابو وفائزة الآتية على إيقاع المجداف..

ومن بين أبرز أساليبه الشعرية أسلوب التناص المتكئ في أغلبه على الأسلوب القرآني والتراثي بآلية ( التعلق النصيّ): ( نؤوم الضحى ، وإذا اصطفيت لروحك واحدة ، فقد غادر الشعراء ، لما تلذّ بين الماء والطين حمائمه بعد ، فساروا إليه زرافات ووحدانا .. ) ولنا أن نتساءل عن مقصدية التناص القرآني المهيمن على نصه الشعري أو النص التراثي ذي الرائحة البلاغية الدينية المجاورة للنص القرآني؟ إذا اطمأنت النفوس لأطروحات فوكو حول التناص بأنه طبقات جيولوجية كتابية تتم عبر استيعاب غير محدد لمواد النص بحيث تظهر مختلف مقاطع النص الأدبي تحويلات لمقاطع مأخوذة من خطابات أخرى داخل مكون إيديولوجي شامل فإن النزعة التناصية الهائجة في نص طالب إنما هي تلاقح ثقافي محمّل بتضادات دلالية ففي الوقت الذي يتمرّد فيه الشاعر على الخطاب الديني الفقهي الجمعي المقيّد لحرية الإنسان الفردي فإنه يتناغم مع البوح الصوفي الديني الشفاف المتجانس مع النزعة الفردية المتحررة ومن هنا فإن ثيمة ( الخمرة ) بمختلف أشكال حضورها السيميائي داخل النص: البيرة النبيذ .. تعبير عن مركزية إيجابية غير متحولة وأوسع من الزمكانية المقيدة ورمزية متوازية مع الرمزية المركزية ( المرأة ) بل هي جزء لا ينفصل عن حضورها سواء أكانت الزوجة الواقع أو العشيقة الرحلة الحلم ..

ها قد ذكرت السطور نساء طالب عبد العزيز ولنتحدث _ الآن _ عن ماكوندته ( البصرة ) التي يراها عبر ( الغناء / السباخ / المركب / الطبل / النخل / الخشابة .. ) وهذه الرؤية المعلنة تضمر التضاد السلبي لكل تلك المكونات الإيجابية الماضوية .. فهو حين يتحدث عن الدكاكين ( خلف مسجد المقام ) _ مثلا _ فإنه يتحدث عن تلك الإيام التي ( لم يكن حمل الطبْل في السوق نقيصة ) وعليه فأن ألم غياب الغناء يعني غياب هوية المدينة وضياعها بين احتلالات ثقافية متخلفة ولذلك أيقن الشاعر أن ( هذا البحر لا يؤتمن على أغنية ) وأعلن المعترف أن أكثر ما يؤلمه ( أن الشطآن ظلت تفرط بمراكبها تباعا ) .. سَمّها مقالة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram