إياد الصالحي
التاريخ لن يسامح من يخذل بلده، ذلك ما أتفقت عليه جميع الآراء التي سدّدت سهام النقد الى اللجنة الأولمبية الوطنية بعدما فضح افتتاح دورة أولمبياد طوكيو 2020 أول من أمس الجمعة الثالث والعشرين من تموز 2021 مشاركة أفقر بعثة في تاريخ العراق الرياضي وسط أكثر من أحد عشر ألف مشارك يمثلون 207 دول في 33 رياضة متنوّعة لـ 339 فعّالية.
أي رسالة رام رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية رعد حمودي إعلانها من الملعب الأولمبي الوطني بمحلة "كوكو- ريتسو" بطوكيو بتمثيل ثلاثة رياضيين فقط بينهم بنت في الأولمبياد الثاني والثلاثين؟ أليس من المُخجل أن تعكس البعثة العراقية حالها أمام العالم كأنها قادمة من بلد أسّس حديثاً ولا يعرف من الرياضة غير التجذيف والرماية والعدو؟
أين بقية الاتحادات الأولمبية التي يتبارى رؤساؤها لانتخاب حمودي وأعضاء مكتبه التنفيذي بحماسة كبيرة كل أربع سنوات، وتستنفر كل طاقاتهم لاظهار الولاء والطاعة ولا تُغمض أجفانهم إذا ما تأخّرت الحكومة عن تسليمهم الميزانية السنوية؟ ثم ما قيمة حصاد أنشطتهم المحلية أمام غياب رياضييهم عن هكذا كرنفال تاريخي اعتادوا كل مرّة مشاهدته عبر التلفاز وليس من منصّة ملعب المشاركة للتباهي بالأبطال؟
الرامية فاطمة عباس والجذاف محمد رياض والعداء طه ياسين هُم من يمثل العراق في دورة أولمبياد طوكيو الجارية حالياً ويترأس البعثة هيثم عبدالحميد، وإذا ما كان تبرير قبول تشكيل البعثة هو التزام حمودي بتصريح سابق له يوم السابع والعشرين من حزيران 2016 بأنه لن يسمح للاتحادات الرياضية بالمشاركة في الأولمبياد عبر البطاقة المجانية، بل بالتأهل المباشر، وألا تكون رياضتنا سياحية، فنتفق معه شريطة أن تُسهم الأولمبية في توفير مقوّمات التأهّل، بدلاً من ضياع سنتين في صراع انتخابي شخصي لا يمت بصلة لمصلحة الرياضة، لذا لابد أن يتحمّل مع مكتبه التنفيذي السابق والحالي إهمال التحضير للأولمبياد، وكذلك عدم مُراعاة حرمان بعض الأبطال من البطولات التأهيلية بسبب أزمات 2019و2020 بالتنسيق مع اتحاداتهم الدولية ليستفيدوا من تطوير مستوياتهم وأرقامهم.
للتاريخ، في أسوأ الظروف لم تكن الأولمبية العراقية وهِنة مثلما هي اليوم، لا في زمن أكرم فهمي رئيس أول بعثة الى دورة أولمبياد لندن الرابعة عشرة عام 1948، ولا سنوات ما بعد 2003 التي شهدت تقلّبات خطيرة في المناخ الأمني والوضع الاقتصادي العام، وبرغم الفشل المستمر في صعوبة تحقيق ميدالية ثانية بعد برونزية الرباع عبدالواحد عزيز في روما 1960، إلا أن محاولات رياضيينا أكّدت سعيهم بقدر امكانياتهم، ففي دورة أثينا 2004 ترأس تيرس عوديشو البعثة التي ضمّت واحداً وخمسين عضواً (فريق كرة القدم والعداء علاء حسين والعداءة آلاء حكمت والملاكم نجاح صلاح ولاعب الجودو حيدر علي لازم والسباح محمد صبيح ولاعب التايكواندو رائد عباس والرباع محمد عبدالمنعم).
وفي أولمبياد بكين 2008 أصطحب الراحل بشار مصطفى أربعة رياضيين هُم العداءة دانة حسين ورامي القرص حيدر ناصر والجذافين حيدر نوزاد وحمزة حسين وسافر معهم سبعة إداريين ومدربين، مع وجوب التوثيق أن قرار الحكومة 184 آنذاك بتجميد العمل الأولمبي بتهمة الفساد حرم رياضيين من ألعاب رفع الأثقال والجودو والرماية من المشاركة بسبب أنتهاء فترة رفع اسمائهم لاتحادتهم الدولية فمُنِحَت (كروتهم البيضاء) الى رياضيي دول أخرى.
وفي أولمبياد لندن عام 2012 ضمّت البعثة التي كانت برئاسة سمير الموسوي ثمانية رياضيين نافسوا في ثماني فعاليات وهم العداء عدنان طعيس والعداءة دانة حسين والسباح مهند أحمد والمصارع علي ناظم ولاعبة القوس والسهم رند سعد والرامية نور عامر والملاكم أحمد عبد الكريم والرباع صفاء راشد، وتواجد أثنان وعشرون إدارياً معهم.
أما في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 سمّت اللجنة الأولمبية أكبر وفد لها ما بعد عام 2003 بلغ عدد أفراده خمسة وخمسين بقيادة سرمد عبدالإله، وتشكّل من لاعبي كرة قدم، والرباع سلوان جاسم والجذاف محمد رياض ولاعب الجودو حسين علي والملاكم وحيد عبد الرضا إضافة الى إداريين.
ترى ماذا كانت النتيجة؟ أكثر من 500 مليون دولار أهدرت في بطولات استعدادية أغلبها هزيلة ولأغراض ترويحية، لم يتمكن العراق من تحقيق مشاركات إيجابية في دورتين أولمبيتين 2004و2008 في زمن الراحلين أحمد الحجية وبشار مصطفى، ومثلهما 2012 و2016 في عهد رعد حمودي ولحق بهما دورة 2020 التي لا تبشّر بالتفاؤل، فماذا تنتظر الحكومة من مؤسسة استفاد شخوصها كل شيء من مزايا مناصبهم مقابل خسارتها كل شيء على الصعيد المادي والفني والمعنوي؟!