د. فالح الحمـراني
تابعت موسكو باهتمام كبير وعلى مختلف المستويات إعلان الولايات المتحدة نيتها سحب قواتها المسلحة من العراق مع حلول شهر كانون الأول المقبل. وقال المتحدث باسم الكرملين بان بلاده معنية بالوضع في العراق وستتابع التطورات ذات الصلة بالانسحاب الأمريكي،
فيما حذر مراقبون من تداعيات الانسحاب واحتمالات اتاحته المجال للقوى الأقليمة وخاصة إيران لتوسيع نفوذها في البلاد، وان تجدد داعش الإرهابية عملياتها المجرمة في أنحاء البلاد، في غضون ذلك نُقل عن مسؤولين أمريكيين سابقين شككوهم في مصداقية الإعلان الأمريكي وتنفيذ واشنطن الوعود بالانسحاب من العراق.
وظهرت مخاوف من احتمالات أن يؤدي إلى زعزعة الوضع وانهيار الاستقرار كما يحدث الآن في أفغانستان. فلقد أدى الانسحاب المتسرع وغير المُعد بشكل كامل للقوات الأمريكية من أفغانستان إلى إغراق البلاد في فوضى حرب أهلية جديد.
ووفقا لتقرير معهد الشرق إلذى كتبه المستعرب الروسي المعروف فلاديمير أحمدوف فإنه وفي ظل هذه الخلفية، تثير أنباء الانسحاب المرتقب للقوات الأمريكية من العراق قلقًا متزايدًا رغم من الواضح أنه لا يوجد مواطن عراقي واحد يريد رؤية قوات أجنبية على أراضيه. وفي هذا الصدد، يطرح المستعرب سؤال (في كثير من النواحي افتراضي)؛ هل سيقوم حرس الثورة الإيرانية والتشكيلات المسلحة المتحالفة معه في تواجده في العراق، نفس الخطوة الأمريكية. والسؤال المماثل موجهة إلى التشكيلات المسلحة لداعش. هل سيحل تشكيلاته ويسحبها ويحرر العراق من وجوده؟ ويعرب أحمدوف عن إيمانه بأنه لا إيران ولا داعش سيغادران العراق. وستواصل التشكيلات المسلحة المتحالفة مع إيران وداعش أنشطتها هناك. واستخلص «لذلك، إذا سحبت الولايات المتحدة جميع قواتها من العراق، فسيكون ذلك خطأها التالي الكبير».
وفي رده على رده على القرار على موقف الكرملين من القرار الأمريكي أعلن السكرتير الصحفي لرئيس الاتحاد الروسي دميتري بيسكوف في 27 يوليو: إن الوضع مع استكمال المهمة العسكرية الأمريكية في العراق يستحق اهتماما متزايدا.. وبحسب قوله، سيبقى عدد كبير من المستشارين العسكريين في العراق، على عكس أفغانستان. وشدد على أن الوضع في العراق وأفغانستان مختلف. «من الواضح أن الأمر مختلف تمامًا، وربما لا يكون من الممكن رسم أي أوجه تشابه هنا. لكني أكرر مرة أخرى، نود جميعًا ألا تنمو إمكانية الصراع العام في المنطقة مع أي حلقات جديدة،» وقال بيسكوف. وأشار المتحدث باسم الكرملين إلى أن مثل هذا القرار من قبل واشنطن ليس جديدًا تمامًا على الكرملين. وقال: «كانت هناك تصريحات سابقة لممثلي الولايات المتحدة والإدارات الرئاسية [الأمريكية] بأنه سيكون من الضروري عاجلاً أم آجلاً مغادرة العراق، لذا فإن هذا ليس خبراً جديدا». وقال المتحدث باسم الكرملين: «سنراقب، فمن السابق لأوانه توقع الأحداث، لكننا لا نرغب في إضافة منطقة أخرى إلى احتمال عدم الاستقرار». كما أضاف بيسكوف جميع الأطراف، لا تريد نمو الصراع العام المحتمل في المنطقة. وختم بالقول «نحن نركز على استمرار الاتصالات مع القيادة العراقية، ونحن مهتمون بذلك.
وبدوره قال بوريس دولغوف، الباحث في مركز الدراسات العربية والإسلامية، التابع لمعهد الدراسات الشرقية، أكاديمية العلوم الروسية. من الممكن أن تعزز إيران موقعها في العراق على خلفية الانسحاب الأمريكي المرتقب، «لأن إيران والعراق دولتان صديقتان. اسمحوا لي أن أذكركم أن معظم السكان فيها يعتنقون المذهب الشيعي من الإسلام» منوها بان نفوذ إيران في العراق قوي بما فيه الكفاية. وترسخ بحدة بعد سقوط نظام صدام حسين. وبعد رحيل الأميركيين، وبطبيعة الحال، سيعزز هذه المواقف. أما بالنسبة للدول الأخرى، فإن النفوذ الإيراني هناك يعززه وجود حزب الله الذي يدعم القيادة في سوريا ويقاتل الإسلاميين المتطرفين هناك إلى جانب الجيش الحكومي المدعوم من إيران. وهذا بالتأكيد يزيد من النفوذ ليس فقط في سوريا، ولكن أيضًا في العراق، وربما في لبنان. ويرى دلجوف أنه لا يبدو انسحاب القوات الأمريكية من العراق أمراً جذرياً من شأنه أن يغير الوضع في المنطقة. وقال لا ينبغي توقع أي تغييرات في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي. وبحسب دولجوف، فإن وجود القوات الأمريكية في هذه المنطقة أثار دائمًا العديد من الاحتجاجات وأثار «وضعًا صعبًا ومتفجرًا في العراق»، لذلك كان هناك مطالبة مستمرة بانسحاب الكتيبة الأمريكية من المنطقة. ب. لم يستبعد دولجوف أن يظل الوجود الأمريكي في العراق بشكل ما قائما، نظرا لحجم وعدد القواعد العسكرية الأمريكية.
وضمن هذا السياق نقلت صحيفة نيزافيسيميا غازيتا عن مسؤولونين أمريكيين سابقين قولهم إن الإعلان المتوقع عن انتهاء المهمة القتالية الأمريكية في الأشهر الأخيرة كان بادرة رمزية وليس تحولًا ملموسًا في سياسة البيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط. ونقلت عن السفير الأمريكي السابق في العراق ريان كروكر قوله: «هذه لعبة مظاهر أكثر منها حقيقة». بدوره، قال مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون العسكرية والسياسية، العميد المتقاعد مارك كيميت، إن الوضع على الأرض من غير المرجح أن يتغير. وقال: «إذا استمرت عمليات الاستطلاع والاستشارة واللوجستيات غير القتالية بنفس مستوى القوات، فمن غير المرجح أن يكون لهذا القرار تأثير عملي كبير». في غضون ذلك، يحاول أقرب مستشاري بايدن الجدل مع مؤيدي الافتراض بأن هذا الإعلان رمزي بحت. ووفق للمستشارين فمن المتوقع حدوث تحولات حقيقية. بالإضافة إلى ذلك، لفتوا الانتباه إلى حقيقة أن التعديلات على معايير التعاون الأمريكي العراقي ممكنة بحلول 31 كانون الأول. الآن حدد الطرفان ببساطة خطة لمزيد من العمل. وقال كيريل سيميونوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، ل للصحيفة: إن الوضع برمته مرتبط بحقيقة أن الأمريكيين لا يريدون مغادرة العراق «.» وسيبقى وجودهم هناك- وسيتغير شكل المهمة ذاته ببساطة «. وبحسب المحلل فإن إدارة بايدن تقوم بذلك على وجه التحديد لإخفاء وجودها على الساحة العراقية.» إذا كان كل الحديث في البداية هو أن الأمريكيين يجب أن يغادروا هناك يومًا ما، فنحن الآن نرى أنهم باقون، لكن في شكل مختلف «، وأشار مضيفًا أن الجانب الأمريكي سيستمر في القيام بعملياته. وفي هذا الصدد، ويعتقد سيمينوف أن هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة النفوذ الإيراني في العراق.» الأمريكيون، والجانب الأمريكي يدرك ذلك، وأشار إلى أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من العراق. وسبق أن قيل إن الوجود الأمريكي سيبقى في العراق وسوريا. في هذه الحالة، سيكون التركيز على تدريب الجيش العراقي. ولاحظ بأنه في حالة الطوارئ، ستكون الولايات المتحدة قادرة على زيادة قواتها في العراق. لكنه أضاف أنه «حتى الآن ليس هناك حاجة ملحة بذلك». وأوضح أن في العراق جماعات نفوذ مختلفة من النفوذ، والعلاقات بينها معقدة نوعا ما، لكن هذا هو موضوع شؤونها الداخلية والصراع على السلطة. «على عكس أفغانستان، لا توجد حركة قوية في العراق مثل حركة طالبان، ومن غير المرجح أن تظهر في المستقبل.». هذا ما أكده المحاور مع الصحيفة.